الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالواجب على من ترك رمي جمرة العقبة دم يذبح في مكة ويوزع على فقراء الحرم، وهل يتوقف تحلله على ذبح الدم لكونه بدلا عن الواجب، أو يتحلل بفوات وقت الرمي لتعذر فعل الواجب بخروج وقته، في ذلك خلاف بين العلماء، ولا يقول أحد من العلماء إن تحلله يتوقف على رمي الجمرة حتى بعد فوات وقتها، قال النووي ـ رحمه الله ـ في شرح المهذب: ولو لم يرم جمرة العقبة حتى خرجت أيام التشريق فقد فات الرمي ولزمه بفواته الدم ويصير كأنه رمى بالنسبة إلى حصول التحلل به، وهل يتوقف تحلله على الإتيان ببدل الرمي؟ فيه ثلاثة أوجه حكاها إمام الحرمين وغيره وأصحها: نعم، لأنه قائم مقامه، والثاني: لا، إذ لا رمي، والثالث: إن افتدى بالدم توقف، وإن افتدى بالصوم فلا، لطول زمنه. انتهى.
ومن الشافعية من ذهب إلى أن التحلل يحصل بدخول وقت الرمي وإن لم يرم، كما ذكره في المهذب عن أبي سعيد الإصطخري وضعفه.
والوجه الثاني عند الشافعية: وهو أن التحلل يحصل بخروج وقت الرمي ولا يتوقف على ذبح الهدي هو قول المالكية، قال في مواهب الجليل: والتحلل الأول يحصل برمي جمرة العقبة، أو بخروج وقت أدائها، قاله في الطراز في آخر مسألة من باب جمرة العقبة، ونحوه في ابن عرفة، ونصه: وفوت رمي العقبة بخروج وقته كفعلها في الإحلال الأصغر- أي في التحلل الأول - لسماع عيسى عن ابن القاسم: من مضى إثر وقوفه لبلده رجع- أي للطواف - لابسا ثيابه. انتهى.
وبه يتبين لك أن من ترك رمي جمرة العقبة، أو رماها في غير وقتها المعتبر شرعا يحصل له التحلل الأول بنسكين من ثلاثة، فإن طاف وحلق حل التحلل الأول، ثم إن خرج وقت الرمي بحيث لا يمكن تداركه حل التحلل الثاني ولزمه دم لتركه الواجب، والأحوط والأبرأ للذمة أن لا يتحلل التحلل الثاني حتى يريق الدم، أو يأتي ببدله وهو صيام عشرة أيام إن عجز عنه خروجا من خلاف من قال بتوقف تحلله على إراقة الدم.
والله أعلم.