الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا يجوز عقد صفقة عن طريق الاقتراض من الوسيط المالي، لأن هذا قرض جر نفعاً وهو محرم، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 42437، والنفع هو مبلغ العمولة التي يتقاضاها الوسيط، فإنه ما أقرضك إلا ليتوصل إليها، وهي محور جوهري في العقد لايمكن إغفاله . وقرار مجلس المجمع الفقهـي الإسلامـي، في دورته الثامنة عشرة المنعقـدة بمكـة المكرمة، فـي الفترة من 10-14/3/1427هـ، الـذي يوافقه 8-12إبريل 2006م قد نص على: أن اشتراط الوسيط على العميل أن تكون تجارته عن طريقه، يؤدي إلى الجمع بين سلف ومعاوضة (السمسرة)، وهو في معنى الجمع بين سلف وبيع المنهي عنه شرعاً في قول الرسول: " لا يحل سلف وبيع … " الحديث رواه أبو داود (3/384) والترمذي (3/526) وقال: حديث حسن صحيح. وهو بهذا يكون قد انتفع من قرضه، وقد اتفق الفقهاء على أن كل قرض جر نفعاً فهو من الربا المحرم. انتهى.
قال ابن القيم: وحرم الجمع بين السلف والبيع لما فيه من الذريعة إلى الربا في السلف بأخذ أكثر مما أعطى، والتوسل إلى ذلك بالبيع أو الإجارة كما هو الواقع. انتهى من إغاثة اللهفان.
وقال أيضا : إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن يجمع الرجل بين سلف وبيع ، ومعلوم أنه لو أفرد أحدهما عن الآخر صح ، وإنما ذلك لأن اقتران أحدهما بالآخر ذريعة إلى أن يُقرضه ألفا ، ويبيعه سلعة تساوي ثمان مائة بألف أخرى ، فيكون قد أعطاه ألفا وسلعة بثماثمائة ليأخذ منه ألفين . وهذا هو معنى الربا. انتهى من إعلام الموقعين.
والمستفاد من كلام الفقهاء في المسألة أن محل النهي هو اجتماع المعاوضة مع القرض بشرط أو مواطأة، أما إذا صادف وقوعهما من غير تواطؤ أو اشتراط، فهو جائز، وذلك لضعف التهمة في إفضاء ذلك إلى القرض الربوي.
وهذا هو الحاصل فعلا في العقد المذكور، بالإضافة إلى دخوله أيضا تحت قاعدة " كل قرض جرّ نفعا فهو ربا".
وضعف سند الحديث -كما ذكرت- غير مؤثر هنا لتلقي العلماء والأمة له بالقبول والعمل فصار قاعدة فقهية.
وأما الجمعيات التعاونية بين الموظفين وغيرهم، فمن أباحها فإنما نظر إلى القصد، وليس فيه معاوضة، بل التعاون لا الربح والتكسب، وقد تساهل الشارع في ذلك كما في حديث الأشعريين وهو: إن الأشعريين كانوا إذا أرملوا في الغزو ، أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ، ثم اقتسموه بينهم بالسوية ، فهم مني ، وأنا منهم . وهو في الصحيح وللمزيد انظر الفتوى رقم: 1959.
والله أعلم