الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن كان المراد بالكفارة المذكورة كفارة من الكفارات الواجبة لزمت الوالد في حياته، فإن الواجب إخراجها من مال الوالد قبل تقسيم التركة ما لم يتطوع بإخراجها متطوع، فإن لم يكن له مال استحب لأولاده أن يخرجوها عنه لما في الحديث: فدين الله أحق أن يقضى. متفق عليه.
وفي حديث البخاري أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال: نعم حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته، اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء.
وفي أسنى المطالب للشيخ زكريا الأنصاري: لو مات الحر وعليه كفارة يمين فهي دين الله، وحقوق الله تعالى مقدمة على حقوق الآدمي، فتخرج قبله من تركته سواء أوصى بها أم لا لخبر: فدين الله أحق أن يقضى. انتهى.
وإذا أرادت البنت التطوع بإخراج الكفارة عن والدها فإن اعتبارها المبلغ الذي تعطي لأمها وأخواتها كفارة لا يصح، وذلك أن مصرف الكفارة هو الفقراء والمساكين الذين تصرف لهم الزكاة.
ويشترط في الفقير الذي تصرف إليه ألا يكون ممن تلزم نفقته، ولا ممن ينفق عليه تبرعا، وتحسب الكفارة مما كان يعطي له. وأما إذا أعطاها له مع ما كان يدفع له فلا حرج إن شاء الله.
ففي الموسوعة الفقهية في بيان شروط من تدفع لهم الكفارة: ألا يكون من تصرف إليه الكفارة ممن يلزم المكفر نفقته.... انتهى.
وقال صاحب الكفاف في بيان عدم إجزاء الاستغناء بالزكاة عما كان يدفع من الإنفاق تبرعا أو من باب المروءة:
ودفعها لمنفق تبرعا * من غير من أنفقه لن يمنعا
ومنه قد أساء ولا تكفيه * إذا بها قطع ما يعطيه
وقال في محل آخر:
لا تجعلن عرضا بها مصونا * أو عرضا فتمنع الماعونا.
وبناء عليه فلا تصح أن تجعل ما كنت تدفعينه لأمك وأخواتك كفارة لأن نفقة الأم الفقيرة قد تكون واجبة.
كما تجب نفقة الأخوات أحيانا عند الحنابلة.
وإذا كانت لا تجب وإنما تنفقين عليهن تبرعا وتطوعا، فإن اعتبار ما تدفعينه كفارة لا يصح، لما ذكر صاحب الكفاف: أنه لا تكفيه إذا قطع بسببها ما كان يدفع للمصرف تبرعا.
أما عن حكم دفعها لمستحقيها أجزاء فإنه ينبني على مسألة وجوب دفعها فورا أو عدم وجوب ذلك، فعلى القول بعدم الوجوب وأنها على التراخي فلا حرج في تجزأتها. أما على القول الآخر بوجوب صرفها فورا فلا يجوز تجزأتها لغير عذر؛ لأن تجزأتها يفضي إلى تأخير دفع بعضها. وتراجع الفتوى رقم: 96808 لمزيد الفائدة.
والله أعلم.