الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأما الصدقة على العصاة والفساق فإنها جائزة ويثاب المتصدق عليها بكل حال.
قال النووي: يستحب أن يخص بصدقته الصلحاء وأهل الخير وأهل المروءات والحاجات ، فلو تصدق على فاسق أو على كافر من يهودي أو نصراني أو مجوسي جاز ، وكان فيه أجر في الجملة . قال صاحب البيان : قال الصيمري : وكذلك الحربي ، ودليل المسألة قول الله تعالى : ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا {الإنسان : 8 }. ومعلوم أن الأسير حربي . وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رجل لأتصدقن الليلة بصدقة ، فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق ، فأصبحوا يتحدثون : تصدق على سارق ، فقال : اللهم لك الحمد ، لأتصدقن بصدقة فخرج فوضعها في يد زانية فأصبح الناس يتحدثون : تصدق على زانية ، فقال : اللهم لك الحمد ، لأتصدقن الليلة بصدقة ، فخرج بصدقته فوضعها في يد غني ، فأصبحوا يتحدثون تصدق على غني ، فقال : اللهم لك الحمد على سارق ، وعلى زانية ، وعلى غني ، فأتي فقيل له : أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعف عن سرقته ، وأما الزانية فلعلها تستعف عن زناها ، وأما الغني فلعله يعتبر ، وينفق مما آتاه الله تعالى رواه البخاري ومسلم. انتهى.
ولكن لا بد من تذكير تلك الزانية ونصحها ووعظها، وأن يبين لها أنها ارتكبت كبيرة من أكبر الكبائر وجريمة من أعظم الجرائم، والنصوص في ذم الزنى والتحذير منه وبيان الوعيد عليه كثيرة جدا، ولا بد من أن يبين لها أن إقدامها على هذا المنكر الشنيع والذنب الفظيع مما يعرضها لسخط الله تعالى ومقته ويجعلها مستحقة لعقوبته في الدنيا والآخرة، وأن اعتقادها أن هذا الفعل لن يترتب عليه حمل لا يقلل من قبح فعلها وعظيم جنايتها، فإن الزنى من أكبر الكبائر سواء نتج عنه حمل أو لا، فإن تابت واستقامت وظهرت عليها علامات العفة فهذا هو المطلوب، وقد تكون الصدقة عليها أولى من الصدقة على غيرها، فإن الحاجة قد تضطرها إلى مواقعة هذا الذنب مرة أخرى كما في الحديث السابق: وأما الزانية فلعلها تستعف عن زناها. ويجب التنبيه على أن أهل تلك الزانية لا يجوز لهم التبرؤ منها، ويجب عليهم أن يلتزموا بنفقتها، وأما ابن تلك الزانية فإنه بريء ولا إثم عليه فيما اقترفته أمه وهو في أمر الصدقة كسائر الناس.
والله أعلم.