الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالذي يظهر ـ والله أعلم ـ أن العبرة بما يكتبه المرء نفسه ويشارك به في وسائل الإعلام بصفة عامة، فإن كان ما يكتبه نافعا، نحو الكتابات الدينية، كما في السؤال، فلا حرج في ذلك، وإن نشر في نفس المجلة ما يكون منكرا، طالما أن الكاتب ينكر هذا المنكر المنشور، ويُعرف عنه أنه لا يرضاه بل يعيبه وينهى عنه، بحيث لا يظن به أحد أنه راض بالمنكرات التي تنشر في المجلة التي يكتب فيها. ويتأكد ذلك إن كان في ما يكتب إنكار لعين المنكر المنشور في المجلة، بغية منعه أو تقليله، وهذه هي تقوى الله تعالى. فإن الله عز وجل قد قال: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ *وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ. {الأنعام:69،68}.
قال السعدي: هذا النهي والتحريم لمن جلس معهم ولم يستعمل تقوى الله، بأن كان يشاركهم في القول والعمل المحرم، أو يسكت عنهم وعن الإنكار، فإن استعمل تقوى الله تعالى بأن كان يأمرهم بالخير وينهاهم عن الشر والكلام الذي يصدر منهم، فيترتب على ذلك زوال الشر أو تخفيفه، فهذا ليس عليه حرج ولا إثم، ولهذا قال: {وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }. أي: ولكن ليذكرهم، ويعظهم لعلهم يتقون الله تعالى. وفي هذا دليل على أنه ينبغي أن يستعمل المذكِّرُ من الكلام ما يكون أقرب إلى حصول مقصود التقوى. وفيه دليل على أنه إذا كان التذكير والوعظ مما يزيد الموعوظ شرا إلى شره، إلى أن تركه هو الواجب لأنه إذا ناقض المقصود، كان تركه مقصودا. اهـ.
ولا يخفى أن في ذلك نهيا عن المنكر، وتقليلا للشر، وزيادة للخير، وهذا هو مقصود الشرع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الواجب تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، فإذا تعارضت كان تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، ودفع أعظم المفسدتين مع احتمال أدناهما هو المشروع. اهـ.
وقال أيضا: السيئة تحتمل في موضعين: دفع ما هو أسوأ منها إذا لم تدفع إلا بها، وتحصيل ما هو أنفع من تركها إذا لم تحصل إلا بها ... وذلك ثابت في العقل؛ كما يقال: ليس العاقل الذي يعلم الخير من الشر، وإنما العاقل الذي يعلم خير الخيرين وشر الشرين. اهـ.
والله أعلم.