الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالإسلام الذي نزل به القرآن، وجاء به محمد صلى الله عليه وسلم، دِين واحد، لا تناقض فيه، ولا اضطراب، وإنما حصل التفرق والاختلاف في بعض من انتسب إلى هذا الدِّين.
وهذا الافتراق يرجع إلى سببين رئيسين:
الأول: سوء الفهم.
الثاني: سوء القصد.
وقد شرع الله عز وجل لنا ما يعصمنا من الافتراق، وذلك بالأخذ بضد هذين السببين:
أما الأول: فقد أمرنا باتباع الصحابة في فهمهم لكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال سبحانه: فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ {البقرة:137}.
وأما الثاني: فقد أمرنا سبحانه بإخلاص الدين لله، والنصيحة له، ولكتابه، ولنبيه، وللمؤمنين.
ولما ساءت أفهام بعض من ينتسب للإسلام، وانضم إليهم سوء قصد من يتظاهر بالإسلام لغرض الإفساد، وإيقاع الفتنة، جرى قدر الله عز وجل بحدوث الافتراق، ولكن تبقى طائفة من المسلمين قائمة بأمر الله، محافظة على الدين -كما جاء-، وتلك هي الفرقة الناجية، التي جعلت من سلف الأمة الصحابة، وأئمة الدين من التابعين سلفًا لها.
وأما سؤالك: لماذا اعترف الإسلام بعيسى -عليه السلام-؟
فالجواب: أن الإسلام هو دين الأنبياء جميعًا، كلهم يدعو إليه، وإن اختلفت بعض الأحكام والشرائع، وأما أصل الدين، وهو توحيد الله عز وجل، وتصديق أنبيائه، فذاك دِين الجميع، فكيف يتصور بعد ذلك أن يأتي القرآن بإنكار عيسى، أو تكذيبه؟! فهذا محال.
وأما سؤالك عن الحكمة في إيجاب الحجاب على النساء.
فالجواب: أن ذلك أمر أشار إليه المولى سبحانه في كتابه، فقال جلّ شأنه: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الأحزاب:59}، فقد بيّن سبحانه وتعالى أن الحكمة من ذلك هو حماية المرأة، ووقاية عِرضها، ودرء الفتنة عن المجتمع.
وإنما كان الحجاب على النساء، ولم يكن على الرجال لسبب ظاهر، تقرّه العقول السليمة، وهو أن المرأة هي الجانب الأضعف، وهي المطلوبة والرجل طالب، فإذا تحجبت، وغطّت محاسنها، أُمِنت الفتنة، ولم يوجد ما يستدعي الرجال إلى الاعتداء، والوقوع في الفاحشة، بخلاف ما إذا كان الحجاب على الرجل والمرأة متكشفة، فهذا لا يحصّل ذلك الغرض.
والله أعلم.