الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الحق لا يعرف بالرجال، وإنما يعرف الرجال بالحق، وقد ذكرنا صفات من يؤخذ عنه العلم في الفتوى رقم: 52158، والفتوى رقم: 69178 وما أحيل عليه فيها.. وأما بخصوص الغناء فقد بينا حكمه في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 987، 5282، 19463، 32763، كما قد تناولنا الرد على بعض الشبهات المتعلقة به في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 35605، 35708، 53872، 17295، 19007.
وأما تذكير الناس بيوم القيامة وأحوال البرزخ، فهو من هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب أحمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم.. ويقول: بعثت أنا والساعة كهاتين. ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى.. وفيه أيضاً عن بنت لحارثة بن النعمان قالت: ما حفظت ق إلا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بها كل جمعة.. قال النووي في شرحه للحديث: قال العلماء سبب اختيار (ق) أنها مشتملة على البعث والموت والمواعظ الشديدة والزواجر الأكيدة.
إلا أنه ينبغي للواعظ أن يراعي أحوال السامعين وأن يتخير الأوقات المناسبة لوعظهم بلا إفراط، لئلا يسأم المستمعون، ففي البخاري ومسلم عن أبي وائل قال: كان عبد الله (يعني ابن مسعود) يذكر الناس في كل خميس، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن لوددت أنك ذكرتنا كل يوم: قال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم وإني أتخولكم بالموعظة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها مخافة السآمة علينا. قال الحافظ ابن حجر في الفتح: والمعنى كان يراعي الأوقات في تذكيرنا، ولا يفعل ذلك كل يوم لئلا نمل.. وقال النووي: وفي هذا الحديث الاقتصاد في الموعظة، لئلا تملها القلوب فيفوت مقصودها.
والله أعلم.