الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الله تعالى أوحى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم باستماع الجن لقراءته وأخبره عنهم أنهم قالوا: إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا {الجن: 1} وأنه كذا وأنه كذا، ويدل لأن هذا من كلام الجن أخبر الله به عنهم ما ذكر الله في الآيات من الضمائر الراجعة إليهم مثل قوله تعالى: لَمَسْنَا السَّمَاءَ {الجن: 8} وقوله: كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا {الجن: 9}. وقوله: لَا نَدْرِي {الجن: 10} ويدخل في ذلك قوله: مِنَّا الصَّالِحُونَ {الجن: 11} وقوله: مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ {الجن: 14} وقد ذكر ابن جرير في تفسيره أن قوله تعالى: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ {الجن: 17} وقوله: وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا {الجن: 16} ليس من كلام الجن وإنما هو مما أوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم عطفا على قوله أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا {الجن: 1}.
ويدل لصحة هذا قوله تعالى: لَأَسْقَيْنَاهُمْ {الجن: 16} فإن الضمير هنا راجع إلى الله تعالى.
وأما قوله تعالى: وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ {الجن: 19} فقد اختلف فيه هل هو من كلام الجن أو من كلام الله تعالى، أخبر عن اجتماع الجن لسماع القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم أو أخبر عن اجتماع الكفار على إطفاء النور الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما المسلمون من الجن فيشرع لهم الدخول في المساجد والصلاة بها وسماع القرآن، قال القرطبي: قال سعيد بن جبير: قالت الجن: كيف لنا أن نأتي المساجد ونشهد معك الصلاة ونحن ناءون عنك فنزلت: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ {الجن: 18} أي بنيت لذكر الله وطاعته. اهـ.
والله أعلم.