الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهذا الشعر المسؤول عن حكم أخذه في التحلل: يحتمل أن يكون من العذار ـ وهو الشعر المسامت لصماخ الأذن أي ثقبها ـ فيكون من الوجه، ويحتمل أن يكون من الصدغ ـ وهو الشعر المسامت لرأس الأذن ـ فيكون من الرأس، قال البهوتي في كشاف القناع: فيدخل فيه أي الوجه عذار ـ وهو الشعر النابت على العظم الناتىء أي المرتفع المسامت أي المحاذي صماخ الأذن بكسر الصاد وهو خرقها ـ ولا يدخل في الوجه صدغ بضم الصاد المهملة وهو الشعر الذي بعد انتهاء العذار يحاذي رأس الأذن وينزل عنه قليلا وهو من الرأس، لأن في حديث الربيع أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه وصدغيه وأذنيه مرة واحدة. رواه أبو داود. ولم ينقل أحد أنه غسله مع الوجه. انتهى بتصرف.
فإذا علمت هذا، فإذا كان هذا الشعر المأخوذ من الصدغ فلا شيء عليك في أخذه، لكونه من الرأس، وأما إذا كان من العذار فلم يكن يجوز لك حلقه ـ رأسا ـ لكونه من اللحية، وحلقها محرم، والأخذ منه قبل التحلل من محظورات الإحرام.
ولكننا نحب أن ننبهك إلى أمور مهمة:
منها: أن أخذ الشعر قبل التحلل لا يجب فيه دم، وإنما تجب فيه الفدية وهي على التخيير بين صيام ثلاثة أيام وإطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، وذبح شاة، وقد استوفينا القول فيما يجب بالأخذ من الشعر قبل التحلل في الفتوى رقم: 128247.
ومنها: أن العلماء مختلفون في وجوب حلق أو تقصير جميع الرأس عند التحلل من الإحرام، أو أنه يجزئ أخذ بعض الرأس، والقول بالوجوب هو مذهب مالك وأحمد ـ رحمهما الله ـ وهو أحوط بلا شك.
ومنها: أن من فعل محظورا من محظورات الإحرام جاهلا أو متأولا ـ كما في مسألتك ـ لا تجب عليه الفدية عند كثير من العلماء ـ مطلقا ـ وهو اختيار شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ لقوله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ {الأحزاب:5}.
وفرَّق كثير من العلماء بين ما كان من المحظورات من قبيل الإتلاف كقص الشعر والأظفار فتجب فيه الفدية، وما كان من قبيل الترفه فلا تجب فيه الفدية.
والأحوط والأبرأ للذمة في حقك هو أن تخرج الفدية ـ إن كنت قد فعلت هذا المحظورـ وهي كما قدمنا على التخيير بين صيام ثلاثة أيام وإطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع وذبح شاة، وتلزمك عن العمرة فدية وعن الحج أخرى إذا تكرر المحظور في نسكين مختلفين.
والله أعلم.