الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالعبارة المذكورة وهي قولهم ـ تزاحموا تراحموا - ليست حديثا مرفوعا، ولا ـ نعلمها ـ رويت عن أحد من السلف، وقد قال المحدث الألباني ـ رحمه الله ـ في السلسلة الضعيفة معلقا على هذه العبارة: لا أعرف له أصلا.
ومن ثم فلا ينبغي التزام هذه العبارة مما يوهم بمشروعيتها، ثم إن التزاحم على الصف الأول وإن كان أمرا مشروعا لما ورد من الترغيب في إتمام الصفوف الأول فالأول، ولما للصف الأول من الفضيلة العظيمة، لكن ينبغي أن ينتبه المسلمون إلى أمر مهم، وهو أن إتمام الصف الأول والمزاحمة للقيام فيه لا يجوز أن تجر إلى أذية المسلمين ومضايقتهم بحيث يذهب خشوعهم، بل متى تم الصف ولم توجد فيه فرجة إلا بالتضييق على المسلمين وأذيتهم فليقف المصلي في الصف التالي ولا يؤذي إخوانه وهو مأجور بنيته وحرصه ـ إن شاء الله.
قال العلامة العثيمين مبينا هذه القاعدة المهمة في معرض حديثه عن حكم التورك إذا كان يؤذي من بجانبه: فهنا اجتمع عندنا شيئان: فعل سنة، ودفع أذى عن المسلم فأيهما أولى؟ فعل السنة؟ أو دفع الأذى؟ دفع الأذى، لأن أذية المؤمن ليست بالهينة، أذية المؤمن ولو بالقول فضلاً عن الفعل الذي يحصل في الصلاة ويشوِّش عليه صلاته، أذية المؤمن تكون بالقول أو بالفعل، يقول الله عز وجل فيها: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً. { الأحزاب:58}.
ويقول عليه الصلاة والسلام: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جارَه.
وخرج مرَّةً على أصحابه وهم في المسجد يصلون ويجهرون بالقراءة، فقال: كلكم يناجي ربه، فلا يؤذِيَنَّ بعضُكم بعضاً في القراءة.
أين هي الأذية؟ الأذية: أنك إذا جهرت شوَّشتَ على الذين هم حولك فآذيتَهم، فهذه القاعدة انتبه لها: ترك السنة مع دفع الأذية خير من فعل السنة مع الأذية، فهذا المتورك إذا كان بتوركه يؤذي جاره فلا يتورك، وإذا علم الله من نيته: أنه لولا هذا لتورك فإن الله يثيبه، لأنه يكون كمن قال فيهم رسول الله: إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً. انتهى.
والله أعلم.