الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم أن المحرم ممنوع من تعمد إزالة الشعر من جميع بدنه سواء في ذلك رأسه ولحيته أو غير ذلك، لقوله تعالى: وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ. {البقرة 196}.
قال ابن قاسم في حاشية الروض: ونص تعالى على حلق الرأس وعدي إلى سائر شعر البدن وفاقا، لأنه في معناه، ولحصول الترفه به، بل أولى، لأن الحاجة لا تدعو إليه. انتهى.
واعلم كذلك أن الفدية الواجبة في إزالة شعر الرأس وغيره هي على التخيير بين صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع أو ذبح شاة، وسواء في ذلك من فعله عمدا لحاجة أو لغير حاجة ، وذلك لأمر النبي صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة بما تقدم حين آذاه هوام رأسه.
قال ابن قدامة رحمه الله: الفدية هي إحدى الثلاثة المذكورة في الآية والخبر أيها شاء فعل لأنه أمر بها بلفظ التخيير ولا فرق في ذلك بين المعذور وغيره والعامد والمخطئ، وهو مذهب مالك والشافعي وعن أحمد أنه إذا حلق لغير عذر فعليه الدم من غير تخيير وهو مذهب أبي حنيفة. وهذه الفدية لا تجب إلا في حلق أكثر من شعرتين فإن حلق من شعر الرأس أو البدن أكثر من شعرتين فعليه الفدية وإن كثر المحلوق فهي فدية واحدة،.
قال ابن قدامة رحمه الله: يجب في الثلاث ما يجب في حلق الرأس قال القاضي: هو المذهب وهو قول الحسن و عطاء و ابن عيينة و الشافعي و أبي ثور. وقال أيضا: شعر الرأس وغيره سواء في وجوب الفدية لأن شعر غير الرأس يحصل بحلقه الترفه والتنظيف فأشبه الرأس فإن حلق من شعر رأسه وبدنه ففي الجميع فدية واحدة وإن كثر. انتهى. وأما الشعرة الواحدة ففيها طعام مسكين والشعرتان فيهما طعام مسكينين، لكل مسكين مد من طعام، أو نصف صاع، قال في كشاف القناع: وفيما دون ذلك أي الثلاث من الشعرات أو الأظفار في كل واحد طعام مسكين ففي شعرة طعام مسكين وفي شعرتين طعاما مسكينين وفي تقليم ظفر واحد طعام مسكين وفي ظفرين طعاما مسكينين لأنه أقل ما وجب شرعا فدية. انتهى.
واعلم أن تخليل المحرم رأسه وسائر شعره لا حرج فيه إذا كان يأمن تناثر الشعر.
قال الحافظ في الفتح في سياق فوائد قصة مناظرة المسور بن مخرمة وعبد الله بن عباس في غسل المحرم: وجواز غسل المحرم وتشريبه شعره بالماء ودلكه بيده إذا أمن تناثره، واستدل به على أن تخليل شعر اللحية في الوضوء باق على استحبابه خلافا لمن قال يكره كالمتولى من الشافعية خشية انتتاف الشعر لأن في الحديث ثم حرك رأسه بيده ولا فرق بين شعر الرأس واللحية إلا أن يقال إن شعر الرأس أصلب والتحقيق أنه خلاف الأولى في حق بعض دون بعض.
قاله السبكي الكبير: فإذا خلل المحرم شعره وتناثر شيء من الشعر الحي فعليه الفدية إن بلغ المتناثر ثلاث شعرات فصاعدا.
وأما إن كان المتناثر شعرا ميتا فلا فدية، وإن شك في كونه حيا فلا فدية كما بيناه في الفتوى رقم: 79655. والشعر الميت هو المنقلع بنفسه لا بفعل المحرم.
قال النووي رحمه الله في شرح المهذب: يكره حك الشعر في الإحرام بالأظفار لئلا ينتف شعرا ولا يكره ببطون الأنامل، وقد أشار المصنف إلى هذا بقوله يكره أن يحك شعره بأظفاره فأشار إلى أنه لا يكره بأنامله ويكره مشط رأسه ولحيته لأنه أقرب إلى نتف الشعر فإن حك أو مشط فنتف بذلك شعرة أو شعرات لزمه فدية فإن سقط شعر وشك هل نتفه بفعله أم كان ينتسل بنفسه فوجهان وقيل قولان، وممن حكاهما قولين الشيخ أبو محمد الجويني وإمام الحرمين عن حكايته أصحهما وبه قطع جماعة منهم البندنيجي وصاحب البيان لا فدية لأنه محتمل الأمرين والأصل براءته فلا تلزمه الفدية.
والله أعلم.