الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله تعالى أن يلهمك رشدك وأن يشرح صدرك، وأن يعافيك من شر الوسوسة وشرالشيطان وشركه.
ثم إنك ـ أيتها السائلة الكريمة ـ لست بكافرة والحمد لله، بل في ما ذكرت دليل على صحة اعتقادك وتعظيمك لله تعالى وخوفك منه، فحالك لا يعدو الوسوسة التي قد عفا الله عنها، فمن فضل الله تعالى ورحمته أن تجاوز عن ذلك ما لم يعمل به المرء أو يتكلم، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست أو حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تتكلم. رواه البخاري ومسلم.
وكره العبد وخوفه ونفوره من هذه الخواطر والوساوس الشيطانية علامة على صحة الاعتقاد وقوة الإيمان، فقد جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؟ قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان. رواه مسلم.
قال النووي: معناه: استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه، ومن النطق به، فضلا عن اعتقاده، إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا وانتفت عنه الريبة والشكوك. اهـ. وراجعي في ذلك الفتويين رقم: 7950، ورقم: 12300.
وأبشري أختنا الكريمة فإنك ـ إن شاء الله ـ من هذا النوع، حيث تقولين عن نفسك: ينتابني رعب وهلع شديد خوفا من هذا الشعور ـ وتقولين أيضا: لكني مقتنعة به وأخاف من عذاب النارـ وتقولين: إنني أتمنى أن تسوى بي الأرض ولا أفكر هذا التفكيرـ إلى غير ذلك، مما يدل دلالة صريحة على أن الذي تشتكين منه ما هو إلا وسوسة معفوعنها.
ولا ريب أن هناك فرقا بين الشك المؤدي للكفر وبين الوسوسة فالوسوسة: شيء يهجم على القلب بغير اختيار الإنسان، فإذا كرهه العبد ونفاه دلت كراهته على صريح الإيمان.
وأما الشك: فهو نقيض اليقين، وهو: التردد بين شيئين، كالذي لا يجزم بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يكذبه، ولا يجزم بوقوع البعث ولا عدم وقوعه، وقد يطرأ في نفس الإنسان نوع وسوسة يظنه شكا ولكنه ليس ذلك، بل يكون في داخله مصدقا مؤمنا، وعلامة ذلك كراهته لهذه الخواطر وخوفه ونفوره منها، كما هوحال السائلة الكريمة، قال النووي ـ الأذكار: الخواطر وحديث النفس إذا لم يستقر ويستمرعليه صاحبه فمعفو عنه باتفاق العلماء، لأنه لا اختيار له في وقوعه ولا طريق له إلى الانفكاك عنه، وهذا هو المراد بما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل.
قال العلماء: المراد به الخواطرالتي لا تستقر، قالوا: وسواء كان ذلك الخاطر غيبة أو كفرا أو غيره، فمن خطر له الكفر مجرد خطران من غير تعمد لتحصيله ثم صرفه في الحال فليس بكافر ولا شيء عليه. اهـ.
فعليك بالإعراض عن هذه الوساوس الشيطانية، واشغلي نفسك عنها بذكر الله تعالى والدعاء والتضرع وتلاوة القرآن والاشتغال بما ينفعك في أمر دينك ودنياك، لئلا تفسحي المجال للشيطان، وقد سبق لنا التنبيه على سبل التخلص من الوسوسة وعلاجها في عدة فتاوى، منها الفتاوى التالية أرقامها: 3086، 60628، 2081، 78372، 55678، 102447، 111084، 116946، 117004.
والله أعلم.