الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كنت قد أكلت بعد طلوع الفجر ظانا بقاء الليل فقضاء تلك الأيام واجب عليك عند جمهور أهل العلم إذا تبين لك أن الفجر كان قد طلع بيقين، وأما مع الشك في طلوع الفجر، فلا يلزمك قضاء، لأن الأصل بقاء الليل، جاء في المغني: مسألة: قال: وإن أكل يظن أن الفجر لم يطلع وقد كان طلع، أو أفطر يظن أن الشمس قد غابت ولم تغب فعليه القضاء، هذا قول أكثرأهل العلم من الفقهاء وغيرهم، وحكي عن عروة ومجاهد والحسن وإسحاق لا قضاء عليهم. انتهى.
وعن عمر ـ رضي الله عنه ـ قولان في هذه المسألة، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ أن من أكل ظانا غروب الشمس أو بقاء الليل ثم بان له عكس ذلك أنه لا قضاء عليه، قال ـ رحمه الله: وهذا القول أصح الأقوال وأشبهها بأصول الشريعة ودلالة الكتاب والسنة، وهو قياس أصول أحمد وغيره، فإن الله رفع المؤاخذة عن الناسي والمخطئ، وهذا مخطئ وقد أباح الله الأكل والوطء حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، واستحب تأخير السحور ومن فعل ما ندب إليه وأبيح له لم يفرط، فهذا أولى بالعذر من الناسي. انتهى. والأحوط ـ إذا كنت قد أكلت ظانا بقاء الليل ثم تبين لك أن الفجر كان قد طلع ـ أن تتحرى عدد تلك الأيام فتقضيها لتبرأ ذمتك بيقين وللخروج من خلاف جمهورأهل العلم، وإن كان القول بعدم لزوم القضاء له قوة واتجاه، وأما إذا لم يكن قد تبين لك أن الفجر قد طلع فالأصل بقاء الليل -كما قدمنا- فلا ينتقل عن هذا الأصل إلا بيقين، قال ابن قدامة ـ رحمه الله: وإن كان حين الأكل ظانا أن الشمس قد غربت أو أن الفجر لم يطلع ثم شك بعد الأكل ولم يتبين فلا قضاء عليه، لأنه لم يوجد يقين أزال ذلك الظن الذي بنى عليه فأشبه ما لو صلى بالاجتهاد ثم شك في الإصابة بعد صلاته. انتهى.
والذي يظهر أن الفرق بهاتين الدقيقتين ـ حسب التوقيت ـ لا يحصل به اليقين أنك تناولت المفطر في وقت الفجر بيقين، لماهو معلوم ومنتشر من الخلاف في موافقة التقويم لوقت الفجرالصادق، وانظر الفتوى رقم: 10384، ومن ثم، فلا يظهر أن عليك القضاء، لأنه لم يحصل لك اليقين بأنك أكلت بعد تبين طلوع الفجر.
والله أعلم.