الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اختلف أهل العلم هل الشهادة على رؤية الهلال هي من باب الأخبار أو من باب الشهادات؟ فمن قال هي من باب الشهادات اشترط أن تكون بلفظ الشهادة، وأن يكون ذلك في مجلس الحاكم، ومن قال هي من باب الأخبار لم يشترط لثبوت الهلال شيئا ممّا يشترط للشهادة ولم يشترط لثبوته حكم الحاكم.
قال النووي في شرح المهذب مبينا هذا الخلاف: قال أصحابنا: فإن شرطنا عدلين فلا مدخل للنساء والعبيد في هذه الشهادة، ويشترط لفظ الشهادة، ويختص بمجلس القاضي، ولكنها شهادة حسبة لا ارتباط لها بالدعوى، وإن اكتفينا بعدل فهل هو بطريق الرواية أم بطريق الشهادة؟ فيه وجهان مشهوران وحكاهما السرخسي قولين. انتهى.
فتبين بهذا أن الشافعية يشترطون لثبوت الشهر ثبوته عنها الحاكم.
وهؤلاء مع ترجيحهم القول بأنه شهادة، وأنه لا بد من ثبوتها عند الحاكم إلا أنهم قالوا إن من أخبره من يثق بخبره بأنه رأى الهلال لزمه الصوم وإن لم يثبت ذلك عند الحاكم، وصحح كثير من أهل العلم
أن الشهادة على رؤية الهلال من باب الأخبار وليست من باب الشهادات، فلا يشترط إذن في ثبوت الهلال حكم الحاكم.
قال ابن القيم في بدائع الفوائد: وعلى هذه القاعدة مسائل أحدها الإخبار عن رؤية هلال رمضان من اكتفى فيه بالواحد جعله رواية لعمومه للمكلفين فهو كالأذان، ومن اشترط فيه العدد ألحقه بالشهادة لأنه لا يعم الأعصار ولا الأمصار بل يخص تلك السنة وذلك المصر في أحد القولين، وهذا ينتقض بالأذان نقضا لا محيص عنه.
وقال في منح الجليل: لما كان القياس عند المتأخرين رد ثبوت الهلال لباب الإخبار إذا رأوا أن الفرق بين باب الخبر وباب الشهادة أن كل ما خص المشهود عليه فبابه باب الشهادة وكل ما عم فلزم القائل منه ما لزم المقول له فبابه باب الإخبار جعلوا في المذهب قولا بقبول خبر الواحد في الهلال. انتهى.
والله أعلم.