الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالصلاة بعد العصر منهي عنها لقوله صلى الله عليه وسلم: ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس. متفق عليه. وسواء فرغ من العصر في أول وقتها أو لا، فمتى فرغ من صلاة العصر دخل وقت النهي في حقه، عند الجمهور، وذهب بعض أهل العلم إلى أن الصلاة لا ينهى عنها بعد العصر ما دامت الشمس مرتفعة، وقول الجمهور أحوط وإن كان لهذا القول حظ من النظر.
قال النووي رحمه الله: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تصلوا بعد العصر إلا أن تصلوا والشمس مرتفعة. وفي رواية نقية. رواه أبو داود وغيره بإسناد حسن. وظاهره يخالف الأحاديث الصحيحة في تعميم النهي من حين صلاة العصر إلى غروب الشمس، ويخالف أيضا ما عليه مذاهب جماهير العلماء وجوابه مر. انتهى.
إذا علمت هذا فاعلم أن العلماء اختلفوا في فعل ذوات الأسباب في وقت النهي، والراجح جواز فعلها فيه وهو الذي تجتمع به الأدلة وهو مذهب الشافعي واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
قال ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين: وحديث النهي عن الصلاة في أوقات النهي عام مجمل قد خص منه عصر يومه بالإجماع، وخص منه قضاء الفائتة والمنسية بالنص، وخص منه ذوات الأسباب بالسنة كما قضى النبي صلى الله عليه وسلم سنة الظهر بعد العصر، وأقر من قضى سنة الفجر بعد صلاة الفجر وقد أعلمه أنها سنة الفجر، وأقر من صلى في رحله ثم جاء مسجد جماعة أن يصلي معهم وتكون له نافلة، وقاله في صلاة الفجر وهي سبب الحديث، وأمر الداخل والإمام يخطب أن يصلي تحية المسجد قبل أن يجلس. انتهى.
وبه تعلم أن من دخل المسجد بعد العصر فإنه يصلي تحية المسجد ولو قبل المغرب بيسير على الراجح لكون تحية المسجد صلاة ذات سبب، وأما الاكتفاء بالذكر عن تحية المسجد فغير مشروع ولا نعلم دليلا على مشروعيته، وإن ذكر الغزالي ذلك في الإحياء وتعقبه الفقيه ابن حجر في الفتاوى الفقهية بما تحسن مراجعته منه. وانظر الفتوى رقم: 103532.
وأما سجود التلاوة في وقت النهي فالراجح جوازه كذلك، فإننا إن قلنا إن سجود التلاوة ليس بصلاة ولا تشترط له شروطها كما هو قول بعض العلماء فالأمر واضح، وإن قلنا إنه صلاة فإن له حكم ذوات الأسباب.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: نعم، يجوز سجود التلاوة في أوقات النهي عن الصلاة، على الصحيح من قولي العلماء ؛ لأنه ليس له حكم الصلاة، ولو فرضنا أن له حكم الصلاة جاز فعله في وقت النهي ؛ لأنه من ذوات الأسباب ، كصلاة الكسوف وركعتي الطواف لمن طاف في وقت النهي .
وأما التعوض عن سجود التلاوة بذكر معين سواء كان الباقيات الصالحات أو غيرها فلا نعلم له أصلا، بل من عجز عن سجود التلاوة أو كان لا يرى مشروعيته في وقت النهي فإنه لا يستعيض عنه بشيء لعدم ثبوت شيء من ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الشيخ العثيمين رحمه الله: إذا مر القارئ بآية سجدة ، فإن كان في محل يمكنه فيه السجود فليسجد استحباباً ، ولا يجب السجود على القول الراجح ؛ لأنه ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ وهو يخطب يوم الجمعة آية السجدة فنزل وسجد, ثم قرأها في الجمعة الثانية فلم يسجد وقال: إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء. وإذا لم يسجد فإنه لا يقول شيئاً بدل السجود، لأن ذلك بدعة ، ودليله أن زيد بن ثابت قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم سورة النجم فلم يسجد فيها ، ولم يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً يقوله بدلاً عن السجود. انتهى .
والله أعلم.