الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجوز تسمية البنت (رحمة)، والأولى تركها، لأن في التسمية بها المعنى الذي كره له النبي صلى الله عليه وسلم التسمية برباح ويسار وأفلح، فقد أخرج مسلم في صحيحه عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسمين غلامك يساراً ولا رباحاً ولا نجيحاً ولا أفلح، فإنك تقول أثم هو؟ فلا يكون، فيقول: لا" وفي رواية له قال: "لا تسم غلامك رباحاً ولا يساراً ولا أفلح ولا نافعاً" وهذا النهي حمله الشافعية والحنابلة وغيرهم على الكراهة، لما روى أحمد في المسند عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: "كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامٌ يُسَمَّى رَبَاحًا " ولم يرد أنه غير اسمه فيما نعلم.
قال ابن مفلح في الفروع: وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ "لَا تُسَمِّ غُلَامَك يَسَارًا وَلَا رَبَاحًا وَلَا نَجِيحًا وَلَا أَفْلَحَ, فَإِنَّك تَقُولُ: أَثَمَّ هُوَ؟ فَلَا يَكُونُ, فَيَقُولُ: لَا" قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: هَذَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ. ؛ لِأَنَّهُ عَلَّلَ ذَلِكَ. فَرُبَّمَا كَانَ طَرِيقًا إلَى التَّشَاؤُمِ وَالتَّطَيُّرِ, وَالنَّهْيُ يَتَنَاوَلُ مَا يُطْرِقُ الطِّيَرَةَ, إلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَا يُحَرَّمُ, لِحَدِيثِ عُمَرَ: إنَّ الْآذِنَ عَلَى مَشْرَبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدٌ يُقَالُ لَهُ رَبَاحٌ. انتهى
وقال ابن القيم - رحمه الله تعالى - في تحفة المودود بأحكام المولود: وَفِي معنى هَذَا مبارك ومفلح وَخير وسرور ونعمة وَمَا أشبه ذَلِك فَإِن الْمَعْنى الَّذِي كره لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم التَّسْمِيَة بِتِلْكَ الْأَرْبَع مَوْجُود فِيهَا فانه يُقَال أعندك خير أعندك سرُور أعندك نعْمَة فَيَقُول لَا فتشمئز الْقُلُوب من ذَلِك وتتطير بِهِ وَتدْخل فِي بَاب الْمنطق الْمَكْرُوه. انتهى
فالظاهر أن "رحمة" فيها ما في هذه الأسماء المذكورة في الحديث كما سبق.
وأما حديث جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنهما - عند مسلم في صحيحه أنه قال: «أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْهَى عَنْ أَنْ يُسَمَّى بِيَعْلَى، وَبِبَرَكَةَ، وَبِأَفْلَحَ، وَبِيَسَارٍ، وَبِنَافِعٍ وَبِنَحْوِ ذَلِكَ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ سَكَتَ بَعْدُ عَنْهَا، فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَنْهَ عَنْ ذَلِكَ» ثُمَّ أَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ ثُمَّ تَرَكَهُ" فهو محمول على أن جابرا لم يعلم بالنهي، وعلمه سمرة بن جندب، والمثبت مقدم على النافي. أو محمول على أن النهي الذي سكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو نهي التحريم دفعاً للحرج والمشقة.
والله أعلم.