الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فكل أحد يستطيع أن يقول ما شاء في من شاء، طالما أنها دعاوى عارية عن البينات، وهذا المنسوب في السؤال للمذهب الحنبلي إنما هو هراء ومحض افتراء.
ويحسن هنا أن نورد ردا من أحد علماء الحنابلة وأحد كبار العلماء في السعودية، حيث سئل الشيخ صالح آل الشيخ في (مجالس شرح العقيدة الطحاوية): ما رأيكم ما جاء في كتاب عبد الله بن الإمام أحمد من اتهام لأبي حنيفة بالقول بخلق القرآن إلى آخره؟
فأجاب: هذا سؤال جيد، هذا موجود في كتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد، وعبد الله بن الإمام أحمد في وقته كانت الفتنة في خلق القرآن كبيرة، وكانوا يستدلون فيها بأشياء تنسب لأبي حنيفة وهو منها براء، خلق القرآن، وكانت تنسب إليه أشياء ينقلها المعتزلة من تأويل الصفات إلى آخره مما هو منها براء، وبعضها انتشر في الناس ونقل لبعض العلماء فحكموا بظاهر القول، وهذا قبل أن يكون لأبي حنيفة مدرسة ومذهب؛ لأنه كان العهد قريبا عهد أبي حنيفة، وكانت الأقوال تنقل، قول وكيع، قول سفيان الثوري، سفيان بن عيينة، قول فلان وفلان من أهل العلم في الإمام أبي حنيفة، وكانت الحاجة في ذلك الوقت باجتهاد عبد الله بن الإمام أحمد كانت الحاجة قائمة في أن ينقل أقوال العلماء فيما نقل. ولكن بعد ذلك الزمان كما ذكر الطحاوي أجمع أهل العلم على أن لا ينقلوا ذلك، وعلى أن لا يذكروا الإمام أبا حنيفة إلا بالخير والجميل، هذا فيما بعد زمن الخطيب البغدادي. يعني في عهد الإمام أحمد ربما تكلموا، وفي عهد الخطيب البغدادي نقل مقولات في تاريخه معروفة، وحصل ردود عليه بعد، حتى وصلنا إلى استقراء منهج السلف في القرن السادس والسابع، وكتب في ذلك ابن تيمية الرسالة المشهورة (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) وفي كتبه جميعا يذكر الإمام أبا حنيفة بالخير وبالجميل ويترحم عليه، وينسبه إلى شيء واحد وهو القول بالإرجاء إرجاء الفقهاء، دون سلسلة الأقوال التي نسبت إليه، فإنه يوجد كتاب أبي حنيفة الفقه الأكبر وتوجد رسائل له تدل على أنه في الجملة يتابع السلف الصالح إلا في هذه المسألة، مسألة دخول الأعمال في مسمى الإيمان ... ولما أراد العلماء طباعة كتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد وكان المشرف على ذلك والمراجع له الشيخ العلامة عبد الله بن حسن آل الشيخ رحمه الله تعالى رئيس القضاة إذ ذاك في مكة، فنزع هذا الفصل بكامله من الطباعة، فلم يُطبع لأنه من جهة الحكمة الشرعية كان له وقته وانتهى، ثم هو اجتهاد ورعاية مصالح الناس أن ينزع وأن لا يبقى وليس هذا فيه خيانة للأمانة؛ بل الأمانة أن لا يجعل الناس يصدون عن ما ذكر عبد الله بن الإمام في كتابه من السنة والعقيدة الصحيحة لأجل نقول نقلت في ذلك، وطبع الكتاب بدون هذا الفصل، وانتشر في الناس وفي العلماء على أن هذا كتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد. حتى طبعت مؤخرا في رسالة علمية أو في بحث علمي وأُدخل هذا الفصل، وهو موجود في المخطوطات معروف، أدخل هذا الفصل من جديد يعني أرجع إليه، وقالوا: إن الأمانة تقتضي إثباته. وهذا لاشك أنه ليس بصحيح، بل صنيع العلماء علماء الدعوة فيما سبق من السياسة الشرعية ومن معرفة مقاصد العلماء في تآليفهم واختلاف الزمان والمكان والحال وما استقرت عليه العقيدة وكلام أهل العلم في ذلك.
ولما طبع كنا في دعوة عند فضيلة الشيخ الجليل الشيخ صالح الفوزان في بيته كان داعيا لسماحة الشيخ عبد العزيز رحمه وطرحت عليه، فقال رحمه في مجلس الشيخ صالح، قال لي: الذي صنعه المشايخ هو المتعين ومن السياسة الشرعية أن يحذف وإيراده ليس مناسبا. وهذا هو الذي عليه نهج العلماء.
زاد الأمر حتى صار هناك تآليف يُطْعَنْ في أبي حنيفة وبعضهم يقول: أبو جيفة .. ونحو ذلك، وهذا لا شك أنه ليس من منهجنا وليس من طريقة علماء الدعوة، ولا علماء السلف، لأننا لا نذكر العلماء إلا بالجميل، إذا أخطؤوا فلا نتابعهم في أخطائهم، وخاصَّةً الأئمة هؤلاء الأربعة؛ لأنَّ لهم شأنَاً ومقاما لا يُنْكَرْ. انتهـى.
ويحسن بالسائل الكريم قراءة الرسالة القيمة التي سطرها العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله بعنوان: (براءة أهل السنة من الوقيعة في علماء الأمة) ليعلم مصدرا من مصادر هذه الاتهامات الباطلة وكيفية الرد عليها.
ولهيئة كبار العلماء بيان مشهور حول خطورة التسرع في التكفير وما يترتب على ذلك من المفاسد، نشر في (مجلة البحوث الإسلامية) العدد 56 / ص 359.