الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن تنظيم حركة المرور، ووضع ضوابط وأنظمة معينة لها مما تتطلبه المصلحة العامة، ويدخل ضمن المصالح المرسلة الموكولة إلى ولى الأمر، فله أن يضع لتنظيمها من الشروط والضوابط ما يحقق المصلحة العامة، وله في سبيل ذلك تعزير من خالف تلك القواعد والضوابط.
والتعزير مفوض تحديده وتقديره إلى ولي الأمر، إلا أن العقوبة بالمال مما اختلف فيه، فمنعها الجمهور، ونقل عن أبي يوسف جوازها وهو المذهب القديم للشافعي، ونقله ابن فرحون عن المالكية وانتصر لجوازه من الحنابلة ابن تيمية وابن القيم، جاء في الموسوعة الفقهية: الأَْصْل فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ : أَنَّ التَّعْزِيرَ بِأَخْذِ الْمَال غَيْرُ جَائِزٍ، فَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ لاَ يُجِيزَانِهِ ، بَل إِنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي كِتَابٍ مِنْ كُتُبِهِ . أَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ: أَنَّ التَّعْزِيرَ بِأَخْذِ الْمَال مِنَ الْجَانِي جَائِزٌ إِنْ رُئِيَتْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ.وَقَال الشبراملسي: وَلاَ يَجُوزُ عَلَى الْجَدِيدِ ِأَخْذِ الْمَال . يَعْنِي لاَ يَجُوزُ التَّعْزِيرُ بِأَخْذِ الْمَال فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ الْجَدِيدِ، وَفِي الْمَذْهَبِ الْقَدِيمِ : يَجُوزُ.
أَمَّا فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ، فَقَدْ قَال ابْنُ فَرْحُونَ: التَّعْزِيرُ بِأَخْذِ الْمَال قَال بِهِ الْمَالِكِيَّةُ . وَقَدْ ذَكَرَ مَوَاضِعَ مَخْصُوصَةً يُعَزَّرُ فِيهَا.
وهذه المخالفات تعتبر عقوبات شخصية حسب النظم الحديثة تسقط بموت الشخص، وإذا كان النظام في بلد السائل لا يقرر سقوطها بموت من حكم عليه بها، فإن الورثة لا يجب عليهم السداد، إلا إذا كان المتوفى ترك مالا، وإلا فلا يجب التطوع بها كسائر الديون.
والله أعلم.