الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فحفظ النفس مقصد من مقاصد الشريعة وهو من الضروريات الخمسة التي جاءت الشرائع جميعا بحفظها، فلا يجوز للإنسان أن يلقي بنفسه إلى التهلكة ولا أن يوردها موارد العطب والتلف، لقوله تعالى: وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ {البقرة: 195}.
وعليه فإذا غلب على ظنك عدم السلامة في هذه الأسفار فإنه لا يجوز لك الإقدام عليها, حتى ولو كان في سفرك بعض المصالح من تحصيل المال ونحو ذلك لأن هذه المفاسد المتوقعة أعظم من المصالح المرجوة والشريعة تقدم دفع المفاسد على جلب المصالح.
والظاهر من حديثك أنك ببقائك في بلدك لن تعدم القوت الذي تحتاجه، كل ما هنالك أنك ستحرم من بعض المميزات من ترقية ونحوها مما يجري مجرى التحسينيات أو الحاجيات في أحسن الأحوال، في حين أن حفظ النفس من الضروريات كما سبق والضروري يقدم على الحاجي والتحسيني.
ومما يؤكد المنع ما تذكره من خوف أمك عليك من هذه الأسفار, وقد نص العلماء على أن سفر الطاعة لا يباح الخروج له حيث كان الطريق مخوفا وكره الوالدان أو أحدهما خروج الولد.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: وإن كان يخاف عليه الهلاك بسبب خروجه لطلب العلم كان بمنزلة خروجه للجهاد، فلا يباح له الخروج إن كره الوالدان أو أحدهما خروجه، سواء كان يخاف عليهما الضيعة أو لا يخاف عليهما الضيعة. انتهى.
أما ما تذكر من أمر ديونك فهذا ليس بدافع للخروج بل لو قيل إن هذا دافع للمنع من مثل هذا السفر كان قريبا، لأن هلاك المدين فيه ضياع لحق الدائن, ولذا فقد نص بعض العلماء على أن الدائن له مطالبة المدين بكفيل في السفر المخوف.
جاء في الشرح الكبير للرافعي: واعلم أن القاضي الروياني اختار مذهب مالك فقال له المطالبة بالكفيل في السفر المخوف وفى السفر البعيد عند قرب الحلول في هذا الزمان لفساد الطرق وانقطاع القوافل وعجز الحكام عن استيفاء الحقوق. انتهى.
فعليك أن تجتهد في طلب الرزق ببلدك وفي غيرها من بلاد الله الواسعة مما يغلب على ظنك السلامة في السفر إليها.
والله أعلم.