الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد أخبر الصادق المصدوق الذي لا ينطقُ عن الهوى أن الرفق لا يكون في شيءٍ إلا زانه، ولا يُنزع من شيءٍ إلا شانه، فالذي ننصحك به هو أن تُعامل إخوتكَ بلينٍ ورفق، وراجع الفتوى رقم: 75903 .
واعلم أنك قد أخطأت بضربك لأختك لمجرد أنها تطاولت عليك، اللهم إلا إذا كنت تقصد بتطاولها أنها ضربتك، وعليكَ أن تحتملَ إساءتهم وجفوتهم فأنت الأكبر، والتبعة على الكبير أثقلُ منها على الصغير، وعليكَ أن تسعى إلى تقويمهم بلينٍ ورفق، وبالنصيحة الهادئة البعيدة عن الاستفزاز وإثارة كوامن النفس، وعليكَ أن تدفع سيئتهم بالحسنة، وثق أنك إن فعلت فسيزول ما بينكم من الشحناء، وتُبدل الضغينة بالتراحم والمحبة، قال تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34}.
وأما مُقاطعتك لهم وتركك تكليمهم واجتنابك لهم اجتناباً تاماً فلا ننصحك به البتة، فقد قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن لي رحماً أصلهم ويقطعونني، فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: إن كنت كما تقول فكأنما تسفّهم الملّ أي الرماد الحار أخرجه مسلم،
وقال صلى الله عليه وسلم: ليس الواصل بالمكافئ ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها. رواه البخاري .
وإذا قاطعت إخوتك لأجل هذه الأمور التي ذكرتها، والتي يحصل مثلها في عامة البيوت فقد فاتك هذا الفضل العظيم، والأجر الجسيم .
وأما اليمين التي حلفت عليها، فإن كنت قصدت بها أنكَ تحلف على هجرهم وترك تكليمهم وهذا هو الظاهر ، فإنها يمينٌ على معصية فلا يجوزُ الوفاء بها لقوله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض وهذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. متفق عليه.
ولا يرخص في الهجر إلا لمصلحةٍ شرعية كما بين ذلك العلماء. قال ولي الدين العراقي في طرح التثريب ( 8 / 99 ) "هذا التحريم محله في هجرانٍ ينشأ عن غضب لأمر جائز لا تعلق له بالدين ، فأما الهجران لمصلحة دينية من معصية أو بدعة : فلا مانع منه ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهجران كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع رضي الله عنهم ، قال ابن عبد البر : وفي حديث كعب هذا دليل على أنه جائز أن يهجر المرء أخاه إذا بدت له منه بدعة أو فاحشة يرجو أن يكون هجرانه تأديباً له وزجراً عنها ، وقال أبو العباس القرطبي : فأما الهجران لأجل المعاصي والبدعة فواجب استصحابه إلى أن يتوب من ذلك ولا يختلف في هذا ، وقال ابن عبد البر – أيضاً - : أجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث إلا أن يخاف من مكالمته وصلته ما يفسد عليه دينه أو يولد به على نفسه مضرة في دينه أو دنياه ، فإن كان كذلك رخص له في مجانبته ، ورب صرم جميل خير من مخالطة مؤذية" انتهى
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هجر المسلم لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لرجل أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام . رواه البخاري ومسلم، ولا سيما إذا كان المؤمن قريباً لك أخاً أو ابن أخ أو عمّاً أو ابن عم فإن الهجر في حقِّه يكون أشد إثماً. اللهم إلا إذا كان على معصية، وكان في هجره مصلحة، بحيث يقلع عن هذه المعصية فلا بأس به، لأن هذا من باب إزالة المنكر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم، والأصل أن هجر المؤمن لأخيه المؤمن محرّم حتى يوجد ما يقتضي الإباحة. انتهـى.
وانظر الفتوى رقم: 96826، والفتوى رقم: 27765.
وعلى هذا فيلزمك الحنث في هذه اليمين وأن تكفرَ عنها بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فإن لم تستطع فعليك صيام ثلاثة أيام كما أمر الله عز وجل .
وأما إن كنت قصدت بيمينك أنهم لا يفعلون معك الأفعال اللائقة بالإخوة فلا شيء عليكَ في هذا إن كان الأمر كما ذكرت.