الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالمناسكُ جمع منسك بفتح السين وكسرها، قال القاضي أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن: واشتقاقه من نسكت، وله في اللغة معان: الأول: تعبدت، ومنه قوله تعالى: وأرنا مناسكنا خص في الحج على عادة اللغة. الثاني: قال ثعلب: هو مأخوذ من النسيكة، والنسيكة: المخلصة من الخبث، ويقال للذبح نسك. لأنه من جملة العبادات الخالصة لله; لأنه لا يذبح لغيره، وادعى ابن عرفة أن معنى نسكت ذهبت، وكل من ذهب مذهبا فقد نسك. ولا يرجع إلا إلى العبادة والتقرب. وهو الصحيح. ولما رأى قوم أن العبادة تتكرر قال: إن نسكت بمعنى تعهدت. انتهى.
وغلبَ إطلاق المناسك على أفعال الحج وشعائره، قال العلامة العثيمين رحمه الله: النسك: يُطلق ثلاثة اطلاقات؛ فتارة: يراد به العبادة عموماً، وتارة : يراد به التقرب إلى الله تعالى بالذبح، وتارة: يراد به أفعال الحج وأقواله.
فالأول: كقولهم: فلان ناسك، أي: عابد لله عز وجل.
والثاني: كقوله تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ {الأنعام:162-163}، ويمكن أن يراد بالنسك هنا: التعبد، فيكون من المعنى الأول.
والثالث: كقوله تعالى: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرا)(البقرة: 200(.
هذا هو معنى النسك، وهذا الأخير هو الذي يخص شعائر الحج، وهو- أي النسك المراد به الحج، نوعان: نسك العمرة، ونسك الحج.
أما نسك العمرة: فهو ما اشتمل على هيئتها من الأركان والواجبات والمستحبات، بأن يحرم من الميقات، ويطوف بالبيت، ويسعى بين الصفا والمروة، ويحلق أو يقصر.
وأما الحج: فهو أن يحرم من الميقات، أو من مكة إن كان بمكة، ويخرج إلى منى، ثم إلى عرفة، ثم إلى مزدلفة، ثم إلى منى مرة ثانية، ويطوف، ويسعى ، ويكمل أفعال الحج. انتهى.
والله أعلم.