الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فجزاك الله خيرًا على غيرتك على الدين، وحرصك على الدفاع عنه، ولا شك أن هذا أمر طيب تشكر عليه، وينبغي أن تعلم أن المسلم مطالب باجتناب أسباب الفتنة، ولا ريب أن مثل هذه الدراسة -نعني مقارنة الأديان- من أسباب الفتنة إذا لم يكن المسلم على علم راسخ يستطيع به أن يدفع ما قد يرد عليه من الشبهات، ولذا فقد نبهنا كثيرًا، وسنظل ننبه، وندق ناقوس الخطر على وجوب الحذر من سلوك هذا السبيل، وكذا التصدي لمحاورة أهل الباطل لمن لم يكن مؤهلا لذلك، فتكون النتيجة أن يكون المسلم هو الذي يبحث عن سبيل لإنقاذ نفسه بعد أن كان يحاول إنقاذ الآخرين.
وهنالك أمر مهم ينبغي عدم إغفاله عند التصدي لمحاورة أمثال هؤلاء الملحدين؛ وهو جرهم إلى القضية الأساسية، وهي أن يُعَرَّفوا بالله تعالى، من خلال آياته التي بثها في هذا الكون البديع، فإن الواحد منهم إذا عرف الله تعالى، وأيقن عظمته وجلاله، لم يسأل مثل هذه الأسئلة التي تتعلق بالقرآن، أو بحكمة الخلق أو القضاء والقدر، ونحو ذلك.
وانظر إلى القرآن كيف يرجع الناس إلى هذا الأصل عندما تأتي مثل هذه الشبهات، فعندما زعموا أن القرآن ما هو إلا كذب وبهتان، عرفهم بنفسه، وأنه هو المنزل له، قال تعالى: وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا {الفرقان: 5}.
وقد سبق أن ذكرنا بعض الأدلة التي تثبت صحة القرآن، وأنه منزل من عند الله تعالى، فراجع الفتويين: 19694، 21599.
والاستدلال بالإعجاز العلمي على صحة القرآن أسلوب جيد، ولكن ينبغي الحذر من التكلف في إثبات ذلك، فيقع المسلم في القول على الله بغير علم. وقد ذكرنا بالفتوى: 18220، بعض مواقع الإعجاز العلمي في القرآن فراجعها.
وكما ذكرنا أنه لا بد أن هذا الكون لا بد له من خالق، وإذا كان هو الخالق، فيلزم أن يكون له المنتهى في صفات الكمال، فلا يمكن أن يكون هذا الخالق مخلوقاً، لأن هذا يلزم منه تسلسل الحوادث إلى ما لا نهاية، والتسلسل باطل باتفاق العقلاء. وفي القرآن كثير من الأدلة العقلية في إثبات مثل هذه القضايا. قال تعالى: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ {الطور:35}. وقال سبحانه: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ {الأنبياء:22}. وراجع الفتويين: 12986، 48913.
فإذا ثبت أنه سبحانه الخالق، فغيره مخلوق له، وإذا كان هو المالك، فغيره مملوك له، وللمالك أن يتصرف في ملكه بما يشاء، وفقاً لعلمه وحكمته، فيعذب من يشاء ويرحم من يشاء، وهو حين يعذبهم لم يظلمهم بذلك، فإنه أقام عليهم الحجة بإنزال تلك الكتب وإرسال هؤلاء الرسل، وأما المفاضلة بين الرسل وسائر البشر، فقد كانت حسب علمه وحكمته. قال تعالى: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ {القصص:68}.
وإذا ثبت أنه سبحانه الخالق، بطل السؤال عمن خلقه، ولذا أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه إذا ورد على المسلم مثل هذا السؤال فعليه أن يستعيذ بالله من الشيطان وأن يقول: آمنت بالله.
وننبهك في الختام إلى أن الذي يهم أكثر أن تسلم أنت أخانا السائل من التأثر بمثل هذه الشبهات، وإذا أمكنك العودة للدراسة في بلد مسلم فافعل، فذلك أسلم لدينك، وأبعد لك عن دواعي الفتنة.
والله أعلم.