الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنهنئك أولا على التوبة والإنابة إلى الله جل وعلا، ونسأل الله أن يوفقك للمزيد من الطاعات، وأن يثبت أقدامك على طريق الاستقامة والهداية.
أما ما تسألين عنه بشأن ترك العمل في المدرسة فنقول: الأصل هو قرار المرأة في بيتها ورعايتها لشؤون زوجها وأولادها لقوله جل وعلا: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى {الأحزاب: 33}، وخروج المرأة للعمل سيكون حتما على حساب وظائفها المنزلية، والتي هي الأصل وهي الأولى بالرعاية. ولكنا مع هذا نقول لا بأس بالعمل الذي يلائم فطرة المرأة الخَلقية ووظيفتها الجسدية، إذا ما أمنت الفتنة وروعيت الأحكام الشرعية، كالبعد عن الخلوة وجميع التصرفات المحرمة، وكان ذلك بإذن زوجها إن كانت متزوجة، وهذا مثل تدريسها للبنات أو الأطفال أو عملها في مستشفى خاص بالنساء، أو في مجال العمل الخيري ونحو ذلك، فلا حرج على المرأة في مثل هذه الأعمال، ولو لم تكن محتاجة للمال أو المعاش، بل قد يكون عملها مندوباً أو واجباً بحسب حالها، والحاجة إليها.
وبناء عليه، فإنا نرى أنك قد أحسنت فيما اتخذت من قرار بترك العمل والتفرغ لشؤون الأسرة، ولا يعد هذا من قبيل التفريط في النعمة، بل هذا من باب حفظ نعمة الزواج والأولاد الذين جعلهم الله أمانة في أعناق آبائهم وأمهاتهم.
وبخصوص ما تنوين فعله من دراسة الشريعة الاسلامية فلا شك أنك تؤجرين في ذلك، ما دامت نيتك من طلب العلم هي إرادة وجه الله الكريم والعمل بهذا العلم، فإن تعلم العلم الشرعي من أعظم القربات وأجل الأعمال الصالحات التي توصل إلى رضوان الله والجنة، وقد جاء في الحديث الذي روته عائشة وصححه الألباني في صحيح الجامع عن رسول الله أنه قال: إن الله أوحى إلي أنه من سلك مسلكا في طلب العلم سهلت له طريق الجنة.
أما ما تذكرين من صعوبة الخضوع التام من المرأة لزوجها فنقول: طاعة الزوجة لزوجها في المعروف واجبة، ولكن ليس معنى هذا أن تلغي المرأة شخصيتها تماما، وأن تذوب في شخصية زوجها، فلا ترى إلا ما يرى زوجها، ولا تسمع إلا ما يسمع، ولا تفعل إلا ما يهوى في كل الأمور، كلا بل طاعة الزوج كما نص بعض العلماء إنما تجب في النكاح وتوابعه، قال العلامة ابن نجيم الحنفي رحمه الله تعالى في البحر الرائق: لأن المرأة لا يجب عليها طاعة الزوج في كل ما يأمر به، إنما ذلك فيما يرجع إلى النكاح وتوابعه خصوصاً إذا كان في أمره إضرار بها. انتهى. وقد بينا في الفتويين: 50343، 97514، ما يجب على المرأة أن تطيع زوجها فيه وما لا يجب.
وأما ما اهتديت إليه بعد التفكير من أن تجعلي هدفك بعد طاعة الله سبحانه هو إرضاء زوجك وإسعاده فلا شك أن هذا عين الصواب، وهذا من هداية الله وتوفيقه لك، وهذا ما أمر به الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه، فقد أوصى المرأة بزوجها وجعله جنتها أو نارها،. فقد روى أحمد عن الحصين بن محصن: أن عمة له أتت النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة ففرغت من حاجتها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أذات زوج أنت؟ قالت: نعم، قال: كيف أنت له؟ قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه، قال: فانظري أين أنت منه، فإنما هو جنتك ونارك. صححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
وقال صلى الله عليه وسلم : لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها. رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه.
وروى الترمذي في سننه عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم، العبد الآبق حتى يرجع، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وإمام قوم وهم له كارهون. حسنه الألباني. ولو تتبعنا الأحاديث الواردة في ذلك، لعجزنا عن حصرها في هذا المقام.
أما إن أساء الرجل استعمال هذه النعمة التي أنعم الله بها عليه من طاعة زوجته له وامتثالها لأوامره، وقابل ذلك بتحقيرها أو إذلالها ونحو ذلك فهذا من كفران النعمة، وهذا من المعاصي الشنيعة التي حذر منها رسول الله وبالغ في التنفير منها حين قال: بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. رواه الترمذي وصححه الألباني. جاء في تحفة الأحوذي: أي حسبه وكافيه من خلال الشر ورذائل الأخلاق احتقار أخيه المسلم. انتهى.
فعلى الزوج أن يتقي ربه، وأن يقابل نعمه بالشكر، وأن يحسن عشرة زوجته.
وللفائدة تراجع الفتاوى رقم: 9859، 6745، 94364، 18814.
والله أعلم.