الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فبالنسبةِ لهذا الوالد فالظاهرُ من السؤال أنه لم يكمل طواف الإفاضة فإذا كان كذلك فهو باقٍ على إحرامه ويلزمه التوجه إلى مكة وإتمام النسك، والكف عن إتيان النساء فإنه إن كان رمى جمرة العقبة وحلق أو قصر، فلا يحرمُ عليه بعد ذلك إلا النساء وما يتعلق بهن، وما فعله من المحظورات جاهلاً بحكمه في هذه المدة فلا شيء عليه فيه، لقوله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الأحزاب: 5}
والذي يظهر أن والدتك كانت قادرةً على الرمي فقد كانت تتحركُ معك في البحث عن أبيك؛ ولذا لم تكن الاستنابة جائزةً لكما لإمكان إتمام الرمي مع البحث عن الوالد، وانظري الفتوى رقم: 24164، والفتوى رقم: 27187 وعلى كلٍ؛ فالرمي لم يحصل منكم لا بأنفسكم ولا بالنائب عنكم، ولذا فالواجبُ على كل واحد منكم دمٌ (شاة) تُذبح وتوزع على فقراء الحرم، لقول ابن عباسٍ رضي الله عنهما: من ترك شيئاً من نسكه أو نسيه فعليه دم.
وأما ما أفتى به هذا الشيخ من وجوب صيام عشرة أيام فهو إنما يجب عند العجز عن ذبح الهدي، وقد رجح الشيخ العثيمين أن من عجز عن ذبح الهدي فليس عليه شيء.
وأما تركك المبيت بمنى ثاني وثالث أيام التشريق فقد اختلفَ أهل العلم في حكم المبيت بمنى وما يلزم من تركه وانظري في ذلك الفتوى رقم:18217.
وكونكِ لا تذكرين إذا كان انصرافُكِ ليلة الثاني عشر قبل نصف الليل أو بعده، فالأصل أن الليل لم ينتصف، وأما والدتك فحكمها حكمك لأنها تركت المبيت ليلة ثاني أيام التشريق، وليلة ثالث أيام التشريق وقد تواجدتما بمنى بعد غروب يوم الثاني عشر كما فهمناه من السؤال، وقد كنتما معذورتين في ترك المبيت لأجل البحث عن الوالد. وعلى هذا؛ فلا يلزمكما شيء.
وأما الوالد فإذا كان قد وكل من يرمي عنه الجمرات وقد رُميت عنه وكان عاجزاً عن رميها فلا شيء عليه، وأما إذا لم تكن رُميت عنه أو كان قادراً على الرمي وقصر فيه فعليه دمٌ كما ذكرنا، وإن كان قد بات بمنى ليلة الحادي عشر والثاني عشر وتعجل في يومين فلا شيء عليه لترك المبيت.
قال الحافظ مبيناً بعض أحكام المبيت بمنى: وبوجوب المبيت قال الجمهور، وفي قول للشافعي ورواية عن أحمد وهو مذهب الحنفية أنه سنة، ووجوب الدم بتركه مبنيٌ على هذا الخلاف، ولا يحصل المبيت إلا بمعظم الليل، والعلة في الترخيص للسقاة إعداد الماء للشاربين، وهل يختص ذلك بالماء أو يلتحق به ما في معناه من الأكل وغيره؟ محل احتمال. وجزم الشافعية بإلحاق من له مال يخاف ضياعه أو أمر يخاف فوته أو مريضٍ يتعاهده بأهل السقاية ورُعاء الإبل، وقال المالكية : يجبُ الدم في المذكورات سوى الرعاء ، قالوا: ومن ترك المبيت بغير عذرٍ وجب عليه دمٌ كل ليلة، وقال الشافعي: عن كل ليلةٍ إطعام مسكينٍ، وقيل عنه التصدق بدرهم وعن الثلاث دمٌ وهي رواية عن أحمد.انتهى.
والله أعلم.