الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
ففهم هذا الكلام لا بد له أولاً من فهم الفرق بين خطاب التكليف وخطاب الوضع، وهو يتضح من كلام الشيخ الشنقيطي رحمه الله في مذكرة أصول الفقه: اعلم أنه يفرق بين خطاب التكليف وخطاب الوضع بفارقين ظاهرين، وهما: أن خطاب الوضع علامته أنه إما ألا يكون في قدرة المكلف أصلاً كزوال الشمس والنقاء من الحيض، أو يكون في قدرته ولا يؤمر به كالنصاب للزكاة والاستطاعة للحج وعدم السفر للصوم، وبهذا تعرف أن خطاب التكليف علامته أمران: أن يكون في قدرة المكلف ويؤمر به فعلاً كالوضوء للصلاة، أو تركاً كسائر المنهيات.. انتهى.
فالموانع، كما قال الشاطبي في الموافقات: ليست بمقصودة للشارع، بمعنى أنه لا يقصد تحصيل المكلف لها ولا رفعها. انتهى.
ولذلك قال القرافي في الفروق: اعلم أنه يشترط في خطاب التكليف علم المكلف وقدرته على ذلك الفعل وكونه من كسبه، بخلاف خطاب الوضع لا يشترط ذلك فيه... فإن معنى خطاب الوضع قول صاحب الشرع: اعلموا أنه متى وجد كذا فقد وجب كذا أو حرم كذا أو ندب أو غير ذلك، هذا في السبب، أو يقول: عدم كذا في وجود المانع أو عند عدم الشرط. انتهى.
وعلى ذلك.. فالمانع كنوع من أنواع خطاب الوضع، لا يراد من المكلف إيجاده أو إعدامه، إذ ليس ذلك بمقصود للشارع، وإنما مقصوده مجرد بيان كون وجود المانع يرتفع معه الحكم، ومثال ذلك: أن من ملك نصاب الزكاة وكان عليه دين فدينه هذا مانع من وجوبها، فلا يطالب حينئذ بسداد دينه حتى تجب عليه الزكاة، وكذلك من ليس عليه دين ممن ملك النصاب لا يُمنع من ابتداء دين لكي لا تسقط عنه الزكاة، وذلك أنه لا يكلف بوجود المانع ولا عدمه.
والله أعلم.