الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالواجب على من أتى والإمام على حالٍ أن يتابعه في الصلاة وهو على تلك الحال، ولا يعتد بركعةٍ لا يدرك ركوعها فيكبر تكبيرة الإحرام ثم يمضي مع الإمام في صلاته، فإذا سلم الإمام قام فقضى ما عليه وكبر أثناء قيامه للانتقال ولا يعيد تكبيرة الإحرام لأنها صلاة واحدة فلا يحرم بها مرتين، دليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا. متفق عليه.
فإذا دخل والإمام ساجد فالواجب عليه أن يكبر للإحرام قائماً، ثم يخر ساجداً بلا تكبير عند الجمهور، قال الشيرازي رحمه الله تعالى: وإن أدركه ساجداً كبر للإحرام ثم يسجد من غير تكبير، ومن أصحابنا من قال: يكبر كما يكبر للركوع، والمذهب الأول لأنه لم يدرك محل التكبير من السجود ويخالف ما إذا أدركه راكعاً فإن هذا موضع ركوعه، ألا ترى أنه يجزئه عن فرضه فصار كالمنفرد.
قال النووي معلقاً: قال أصحابنا: إذا أدركه ساجداً أو في التشهد كبر للإحرام قائماً ويجب أن يكمل حروف تكبيرة الإحرام قائماً كما سبق بيانه قريباً في صفة الصلاة فإذا كبر للإحرام لزمه أن ينتقل إلى الركن الذي فيه الإمام، وهل يكبر للانتقال؟ فيه الوجهان اللذان ذكرهما المصنف أصحهما باتفاق الأصحاب: لا يكبر، لما ذكره المصنف، ثم يكبر بعد ذلك إذا انتقل مع الإمام من السجود أو غيره موافقة للإمام وإن لم يكن محسوباً لهذا المسبوق.
وإذا أدرك الإمام في الركعة الأخيرة فهل يكبر تكبيرة الانتقال إذا قام لقضاء ما عليه أو لا؟ فيه ثلاثة أوجه للشافعية حكاها النووي في المجموع وعبارته: وإذا قام المسبوق بعد سلام الإمام إلى تدارك ما عليه فإن كان الجلوس الذي قام منه موضع جلوس هذا المسبوق بأن أدركه في ثالثة رباعية، أو ثانية المغرب قام مكبراً وإن لم يكن موضع جلوسه بأن أدركه في الأخيرة أو ثانية رباعية ففيه ثلاثة أوجه (الصحيح) المشهور المنصوص أنه يقوم بلا تكبيرة لأنه ليس موضع تكبير له وقد كبر في ارتفاعه عن السجود مع الإمام وهو الانتقال في حقه وليس هو الآن متابعاً للإمام فلا يكبر. والثاني: يكبر، لأنه انتقال. انتهى.
والذي نرى أن هذا الوجه الثاني أقوى لأن تكبير المأموم إنما كان للجلوس للتشهد متابعة للإمام فبقي عليه تكبير القيام إلى الركعة الثانية، ثم ذكر النووي الوجه الثالث وضعفه.
وإذا أدرك المأموم والإمام في الركعة الأخيرة من الثلاثية أو الرباعية فإنه إذا قام لقضاء ما عليه يشرع له قراءة السورة في أولى المقضيات التي هي ثانية المؤديات بلا خلاف، وأما ما عداها ففيه خلاف فأما من قال: إن ما يدركه المأموم مع إمامه هو آخر صلاته مستدلاً برواية وما فاتكم فاقضوا فلا إشكال عنده في أنه يقضي القراءة بعد السورة، وأما من قال: إن ما يدركه المأموم مع إمامه هو أول صلاته فيرى كثير منهم أن القراءة بعد الفاتحة تقضى وعللوا ذلك بأنه حتى لا تخلو صلاته من السورة، وحكى الإجماع عليه شيخ الإسلام ابن تيمية، لكن ذكر غيره في المسألة خلافاً، ومال الحافظ إلى أن القراءة لا تقضى وقال إنه القياس، ونحن نذكر كلام الحافظ بطوله في بيان أدلة الفريقين وذكر أقوال العلماء في هذه المسألة لنفاسته.
قال رحمه الله: قوله (وما فاتكم فأتموا) أي أكملوا وقد اختلف في هذه اللفظة في حديث أبي قتادة فرواية الجمهور (فأتموا) ورواية معاوية بن هشام عن شيبان (فاقضوا) كذا ذكره ابن أبي شيبة عنه. ومثله روى أبو داود وكذلك وقع الخلاف في حديث أبي هريرة كما ذكر المصنف.
قال الحافظ: والحاصل أن أكثر الروايات ورد بلفظ (فأتموا) وأقلها بلفظ (فاقضوا) وإنما يظهر فائدة ذلك إذا جعلنا بين التمام والقضاء مغايرة، لكن إذا كان مخرج الحديث واحداً واختلف في لفظه منه وأمكن رد الاختلاف إلى معنى واحد كان أولى وهذا كذلك لأن القضاء وإن كان يطلق على الفائتة غالباً، لكنه يطلق على الأداء أيضاً ويرد بمعنى الفراغ، كقوله تعالى: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا. ويرد لمعان آخر فيحمل قوله هنا فاقضوا على معنى الأداء والفراغ فلا يغاير قوله (فأتموا) فلا حجة لمن تمسك برواية فاقضوا على أن ما أدركه مع الإمام هو آخر صلاته حتى يستحب له الجهر في الركعتين الآخرتين وقراءة السورة وترك القنوت بل هو أولها وإن كان آخر صلاة إمامه لأن الآخر لا يكون إلا عن شيء تقدمه.
وأوضح دليل على ذلك أنه يجب عليه أن يتشهد في آخر صلاته على كل حال فلو كان ما يدركه مع الإمام آخراً له لما احتاج إلى إعادة التشهد وقول ابن بطال أنه ما تشهد إلا لأجل السلام لأن السلام يحتاج إلى سبق تشهد ليس بالجواب الناهض على دفع الإيراد المذكور.. واستدل ابن المنذر لذلك أيضاً أنهم أجمعوا على أن تكبيرة الافتتاح لا تكون إلا في الركعة الأولى وقد عمل بمقتضى اللفظين الجمهور فإنهم قالوا إن ما أدرك مع الإمام هو أول صلاته إلا أنه يقضي مثل الذي فاته من قراءة السورة مع أم القرآن في الرباعية، لكن لم يستحبوا له إعادة الجهر في الركعتين الباقيتين وكان الحجة فيه قول علي عليه السلام: ما أدركت مع الإمام فهو أول صلاتك واقض ما سبقك به من القرآن. أخرجه البيهقي. وعن إسحاق والمزني أنه لا يقرأ إلا أم القرآن فقط قال الحافظ: وهو القياس. انتهى.
والله أعلم.