الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فننبهك أولا أيتها السائلة إلى أمر هام طالما ذكرناه وكررناه ونبهنا عليه في عشرات الفتاوى, وهو أن العلاقة بين المخطوبين إنما هي كالعلاقة بين الأجانب تماما, كل ما هنالك أن الشرع قد أباح له النظر إليها والتعرف عليها لكي يختار من تطيب له من النساء كزوجة, فإذا حدث هذا وتمت الخطبة وركن كل منهما لصاحبه ورضي به شريكا لحياته, فعندها ينبغي أن تتوقف العلاقة حتى يتم عقد الزواج, وواضح من كلامك أيتها السائلة أن الأمر بينك وبين خطيبك لم يقف عند هذه الحدود الشرعية بل تجاوزها إلى الانبساط الشديد في المعاملة, ولولا هذا الانبساط ما وجد خطيبك إلى سبك وإهانتك سبيلا, بل الذي جرأه عليك هو هذا الانبساط الزائد, ولا يُستبعد أن يكون ما أنت فيه من قلق وهم وضيق وتغير في معاملة خطيبك إنما هو من هذه المعصية المذكورة, ومن هذا التوسع في العلاقة وأنتما ما زلتما أجنبيين.
وأما ما يقوم به خطيبك من سب وإهانة لك ودعاء عليك بفضح العرض ونحوه فهو حرام بإجماع المسلمين, بل هو مما يوجب الفسق لصاحبه, فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق.
فليت شعري كيف استباح هذه المعاصي بحجة أنه ذكر, وأي شرع وجد فيه هذا, اللهم إلا إذا كان شرع الشيطان, وأعجب من هذا وأبشع هو جرأته على ربه بقوله: إن الإسلام يبيح له هذا. ألا فليستغفر الله ربه من هذه الكذبة العظيمة، والله عز وجل يقول: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا {الأنعام:93}, ويقول سبحانه: وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {النحل:116، 117}.
ألم يدر هذا الإنسان أن القول على الله بغير علم من أكبر الكبائر, بل هو فوق الشرك, قال تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ {الأعراف:33}.
قال ابن القيم عند تفسيره لهذه الآية: فرتب المحرمات أربع مراتب وبدأ بأسهلها وهو الفواحش، ثم ثنى بما هو أشد تحريما منه وهو الإثم والظلم، ثم ثلث بما هو أعظم تحريما منهما وهو الشرك به سبحانه، ثم ربع بما هو أشد تحريما من ذلك كله وهو القول عليه بلا علم، وهذا يعم القول عليه سبحانه بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وفي دينه وشرعه، وقال تعالى: ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم. فتقدم إليهم سبحانه بالوعيد على الكذب عليه في أحكامه وقولهم لما لم يحرمه هذا حرام ولما لم يحله هذا حلال، وهذا بيان منه سبحانه أنه لا يجوز للعبد أن يقول هذا حلال وهذا حرام إلا بما علم أن الله سبحانه أحله وحرمه، وقال بعض السلف ليتق أحدكم أن يقول أحل الله كذا وحرم كذا، فيقول الله له كذبت لم أحل كذا ولم أحرم كذا. انتهى.
وأما قولك: هل جاء الإسلام بإذلال المرأة ؟ فنقول لك :لا والله ما جاء الإسلام إلا بإعزاز المرأة وإكرامها, فلا تغتري بقول هذا الرجل لك فقد بينا لك خطأه.
إن فقهاء الإسلام وعلماءه العظام قد جعلوا ما يصدر من الرجل من أذى لزوجته مما هو أقل من ذلك بكثير يجيز لها طلب الطلاق ولو حدث مرة واحدة لم يتكرر بعدها, بل ليس هذا فحسب بل أوجبوا مع الطلاق التعزير البليغ الذي يردع هذا الذي يسب زوجته ويهينها. قال خليل: ولها التطليق بالضرر البين ولو لم تشهد البينة بتكرره. انتهى. وقال الدردير في الشرح الكبير، فقال: ولها أي للزوجة التطليق بالضرر، وهو ما لا يجوز شرعا، كهجرها بلا موجب شرعي، وضربها كذلك وسبها وسب أبيها، نحو: يا بنت الكلب، يا بنت الكافر، يا بنت الملعون، كما يقع كثيرا من رعاع الناس، ويؤدب على ذلك زيادة على التطليق، كما هو ظاهر، وكوطئها في دبرها. انتهى .
وبناء على ذلك فإنا ننصحك بترك هذا الشاب وفسخ خطوبته لقول النبي– صلى الله عليه وسلم-: إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض. أخرجه الترمذي وغيره بإسناد حسن.
وهذا الشخص الذي ذكرتيه لا تتحقق فيه هذه الصفات, فعليك بصاحب الدين فإنه إن أحبك أكرمك وإن كرهك لم يظلمك. وللفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 95507، 27662، 69186.
والله أعلم.