الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فطالما وصل الحال من هذا الشخص إلى ما ذكرت من البغي والاستطالة والعدوان, فإنا ننصحكم أولا بأن تقصدوا أولي النهى وأصحاب الرأي والدين في عائلتكم ومن لهم كلمة ووجاهة فتعرضوا عليهم أمر هذا الشخص، فإن منعوه عن بغيه وكفوه عن ظلمه وإلا فعليكم برفع الأمر للسلطات والجهات المسؤولة حتى يكفوه عن بغيه, وليس في هذا قطع للرحم بل قطع الأرحام هو ما يفعله هو ويقوم به من تعد على البرآء الآمنين, وقد قال تعالى: لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا {النساء:148}، قال مجاهد: أن المراد لا يحب الله سبحانه أن يذم أحد أحداً أو يشكوه إلا من ظلم فيجوز له أن يشكو ظالمه ويظهر أمره ويذكره بسوء ما قد صنعه. انتهى.
وغير خاف على أحد أن الله جل جلاله قد ندب إلى العفو وحث عباده عليه وأمرهم به في غير ما موضع من كتابه, ولكن هناك أحوال يكون الأفضل فيها ترك العفو ورد العدوان على صاحبه, وفي مثل هذه يقول تعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ {البقرة:194}, وقال سبحانه في معرض مدح المؤمنين: وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُون {الشورى:39}. قال القرطبي رحمه الله: وبالجملة العفو مندوب إليه، ثم قد ينعكس الأمر في بعض الأحوال فيرجع ترك العفو مندوبا إليه كما تقدم، وذلك إذا احتيج إلى كف زيادة البغي وقطع مادة الأذى، وعن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل عليه، وهو أن زينب أسمعت عائشة رضي الله عنهما بحضرته فكان ينهاها فلا تنتهي، فقال لعائشة: دونك فانتصري. أخرجه مسلم في صحيحه بمعناه. انتهى.
وجاء في تفسير القرطبي أيضا: قال ابن العربي: ذكر الله الانتصار في البغي في معرض المدح، وذكر العفو عن الجرم في موضع آخر في معرض المدح، فاحتمل أن يكون أحدهما رافعا للآخر، واحتمل أن يكون ذلك راجعا إلى حالتين، إحداهما أن يكون الباغي معلنا بالفجور، وقحا في الجمهور، مؤذيا للصغير والكبير، فيكون الانتقام منه أفضل. وفي مثله قال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فتجترئ عليهم الفساق. انتهى... وراجع في ذلك الفتوى رقم: 74110.
والله أعلم.