خلاصة الفتوى:
ذكر أهل العلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يكره السجع المتكلف والداعي للباطل حذرا من مشابهة الكهان ومن التكلف المنهي عنه، وأما السجع الذي يأتي في غاية الانسجام من غير تكلف فكان يفعله في كثير من الأحيان.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا لا يحبون السجع في الخطب وفي الدعاء حذرا من التكلف ومشابهة الكهان، وأما السجع الذي يأتي بغير تكلف فكان يفعله أحيانا.
ويدل لهذا قول ابن عباس: انظر السجع في الدعاء فاجتنبه فإني عهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يفعلون إلا ذلك، يعني لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب. رواه البخاري.
وقالت عائشة رضي الله عنها: واجتنب السجع في الدعاء فإني عهدت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يكرهون ذلك. رواه ابن حبان وأحمد.
والمكروه عندهم ما كان فيه تكلف، وأما السجع الذي يأتي بغير تكلف فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي به أحيانا؛ كما في حديث أم زرع.
قال النووي في شرح مسلم عند شرح قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع".
هذا الحديث وغيره من الأدعية المسجوعة دليل لما قاله العلماء أن السجع المذموم في الدعاء هو المتكلف فإنه يذهب الخشوع والخضوع والاخلاص ويلهي عن الضراعة والافتقار وفراغ القلب، فأما ما حصل بلا تكلف ولا إعمال فكر لكمال الفصاحة ونحو ذلك أو كان محفوظا فلا بأس به بل هو حسن.اهـ.
وقال ابن حجر في الفتح عند قوله:... وغلب الأحزاب وحده فلا شيء بعده.
قال: هو من السجع المحمود والفرق بينه وبين المذموم، أن المذموم ما يأتي بتكلف واستكراه، والمحمود ما جاء بانسجام وإتقان، ولهذا قال في مثل الأول: أسجع مثل سجع الكهان؟! وكذا قال كان يكره السجع في الدعاء ووقع في كثير من الأدعية والمخاطبات ما وقع مسجوعا لكنه في غاية الانسجام المشعر بأنه وقع بغير قصد. اهـ.
وقد ذكر ابن دقيق العيد في شرح العمدة: أن ما ورد من ذم السجع محمول على السجع المتكلف لإبطال حق وتحقيق باطل أو لمجرد التكلف بدليل أنه قد ورد السجع في كلام النبي صلى الله عليه وسلم وفي كلام غيره من السلف...اهـ.
هذا وننبه إلى أن أهل العلم اختلفوا هل في القرآن سجع أم لا؟
فبعضهم يرى أنه لا سجع فيه وإنما توجد فيه فواصل وهي تخالف السجع في عدة أمور، وقد بسط الكلام في المسألة السيوطي في الإتقان في علوم القرآن، والزركشي في البرهان في علوم القرآن، وابن مفلح في الفروع.
والله أعلم.