الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فيمكن أن نجمل جواب ما أوردت من أسئلة في النقاط التالية:
النقطة الأولى: أن ما قرأت في كتابي خلق أفعال العباد للإمام البخاري وعقيدة السلف لأبي عثمان الصابوني هو الحق وهو مذهب السلف في باب الصفات، فتمسك به وكفى ودع عنك الوسواس، وأما الطحاوية فهي مشتملة على عقيدة السلف ولا حرج عليك في أن تكتفي بها ولكن مع قراءة تعليقات الشيخ ابن باز رحمه الله عليها أو شرح ابن أبي العز لما في ذلك من إيضاح عبارتها وبيان ما قد يشكل فهمه منها.
النقطة الثانية: أنه لم يكن من منهج السلف الخوض في الصفات وهم جروا إلى النقاش فيها بسبب خوض أهل الباطل فيها بباطلهم فاحتاج الأمر إلى بيان الحق ودفع شبهات أهل الباطل.
النقطة الثالثة: أن السلف لم يتعرضوا لمثل هذه الألفاظ كالجارحة والجهة والجسم لا نفيا ولا إثباتا، والقاعدة التي ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية أنه يستفصل قائلها فإنه قد يريد بها معنى حقا وقد يريد بها معنى باطلا، وقد سبق نقل كلامه بهذا الخصوص فراجعه بالفتويين: 66332، 19144.
النقطة الرابعة: أن صفة الاستواء ثابتة لله تعالى على الوجه اللائق بجلاله كما نطق بذلك الكتاب وبينت ذلك السنة ووردت بذلك أقوال سلف هذه الأمة، وقد نقل جملة منها الحافظ الذهبي في كتابه العلو للعلي القدير، وكذا ابن القيم في كتابه اجتماع الجيوش الإسلامية وغيرهما، ولم نقف على كلام صريح للحافظين النووي وابن حجر بالقول بكفر من قال إن الله في السماء؛ بل قد نقل كل منهما مذهب من قال بكون المراد بالسماء العلو والفوقية ولم يتعقبه فضلا عن أن يكفر قائله، ولو ثبت عنهما تكفير من يقول إن الله في السماء فقد يعنون بذلك من جعل لله تعالى جهة تحيط به.
وأما ذو النون المصري فقد نقل عنه أبو نعيم في الحلية أبياتا تضمنت نفي الحد فإن ثبتت عنه فغاية ما فيها أنه ينزه الله تعالى عن المكان والكيف، وكذا ابن حبان فقد أورد في صحيحه حديث: كان الله ولم يكن شيء معه. أورد عبارة تفيد نفي الحد، والظن به أنه أراد بذلك معنى حقا وهو الرد على المشبهة، قال الذهبي في كتابه: سير أعلام النبلاء عند ترجمته لابن حبان: وقال أبو إسماعيل الأنصاري: سمعت يحيى بن عمار الواعظ وقد سألته عن ابن حبان؟ فقال: نحن أخرجناه من سجستان كان له علم كثير ولم يكن له كبير دين قدم علينا فأنكر الحد لله فأخرجناه. قلت: إنكاركم عليه بدعة أيضا والخوض في ذلك مما لم يأذن به الله ولا أتى نص بإثبات ذلك ولا بنفيه. اهـ
فتبين مما سبق أن الذي يأتي بمثل هذه العبارات نفيا أو إثباتا قد يريد بها معنى حقا وهذا هو الظن بأمثال هؤلاء الأئمة.
والحاصل أن عليك أن تعرف منهج السلف وتلتزمه وأن تدع ما سوى ذلك، فلا تتبع ما يدخل عليك الشكوك والأوهام، فما سلم في دينه إلا من سلم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم؛ كما ذكر الطحاوي في عقيدته.
والله أعلم.