الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأما حكم مخالفة الوالد فعلى حسب ما يأمر به، فإن كان يأمر بمعروف من مباح أو مستحب أو واجب فيجب طاعته، وإن كان يأمر بمنكر أو ما يؤدي إليه فلا تجوز طاعته .
وبخصوص دخول الجامعة بما فيها من اختلاط فاحش ومنكرات ظاهرة فلا شك أن الواجب طلب البراءة لدينك وعرضك ، خاصة وأن القائمين عليها هم اليهود المحتلون لأرضكم والذين لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، ويحرصون كل الحرص على إفساد أبناء المسلمين وإلحاقهم بركبهم . وعدم وجود جامعة إسلامية في بلدك لا يسوغ لك تعريض نفسك للفتنة خاصة وأنت تقدر على السفر للعلم الشرعي . وليس عليك في مخالفة والدك حرج في هذه الحالة لكن عليك بإقناعه بالحسنى والتلطف معه في القول وأن تبين له حاجة المسلمين خاصة في بلدك لمن يعلمهم العلوم الشرعية ويفقههم في الدين.
كما لا يسوغ قول البعض في هذا المقام إن الضرورات تبيح المحظورات هكذا على الإطلاق لتبرير هذه الأوضاع القائمة، وإنما كل حالة تقدر بحسبها والضرورة تقدر بقدرها ، وقد عرَّف العلماء الضرورة بأنها " بلوغ الإنسان حداً إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب، كالمضطر للأكل بحيث لو بقي جائعاً لمات أو تلف منه عضو أو فقد جارحة فهذا يبيح له تناول المحرم "، ومن ذلك قوله تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإيمَانِ. { النحل: 106} والإكراه هنا بالقتل .
وقد وضع العلماء للضرورة ضوابط لا بد من مراعاتها، لئلا تتخذ وسيلة لارتكاب المحرم دون تحققها، ومن أهم هذه الضوابط:
أولاً: أن تكون الضرورة قائمة لا منتظرة، فلا يجوز مثلا الاقتراض بالربا تحسباً لما قد يكون في المستقبل.
ثانياً : ألا يكون لدفع الضرورة وسيلة أخرى إلا مخالفة الأوامر والنواهي الشرعية.
ثالثاً: يجب على المضطر مراعاة قدر الضرورة، لأن ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها، ولذلك قرر الفقهاء أنه لا يجوز للمضطر أن يأكل من الميتة، إلا بما يسد رمقه.
رابعاً: ألا يقدم المضطر على فعل لا يحتمل الرخصة بحال، فلا يجوز له قتل غيره افتداء لنفسه، لأن نفسه ليست أولى من نفس غيره، ونحو هذا لكن ينبغي التنبيه إلى أن بعض المنهيات قد تجوز لما دون الضرورة إي إذا حصلت حاجة شديدة كقرب من الضرورة كالحاجة للتداوي فإنها تبيح كشف العورة. وبالجملة فهذا مبحث طويل لا تتسع الفتوى لاستيفاء أطرافه فيراجع في مظانه من كلام العلماء. وراجع الفتوى رقم: 15719، 1420 .
وأما إذا أمكنك التخلص من هذه المعاصي باعتزال أماكنها، والتحرز منها مع الالتزام بآداب الإسلام ، وترك الاختلاط المذموم ، فطاعة الوالدين هنا واجبة لعدم تحقق المعصية، ولإمكان الجمع بين خير الدراسة، وطاعة الوالدين مع عدم الوقوع في الإثم، ولْتكن في هذا المجتمع داعية خير للآخرين، وراجع لزاما الفتوى رقم: 2523.
والله أعلم.