الخلاصة: النفقة الواجبة هي المطعم والملبس والمسكن، ولا تجب الكماليات ولا إعطاء نسبة من الراتب للزوجة، ولكن الشارع رغب في الإحسان إليها والتكرم عليها.
فان النفقة الواجبة قد حصرها جمهور الفقهاء في المطعم والملبس والمسكن، فقد ذكر ابن نجيم الحنفي في الكنز الرائق أن النفقة إذا أطلقت فإنها تنصرف إلى الطعام والكسوة والسكنى ونقل ذلك عن محمد بن الحسن.
وقال خليل في مختصره: يجب لممكنة مطيقة للوطء على البالغ وليس أحدهما مشرفا قوت وإدام وكسوة ومسكن.
وقال البهوتي في الروض المربع: وهي كفاية من يمونه خبزا، وأدما، وكسوة، ومسكنا، وتوابعها.اهـ
وقد ذكر النووي في المنهاج مثل ذلك.
وقد ثبت وجوب هذه الثلاثة بالكتاب والسنة.. فقد قال الله تعالى في شأن المطلقات: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ..... وإذا وجب إسكان المطلقة فإسكان الزوجة أولى بالوجوب، حيث إن زوجيتها قائمة حقيقة وحكماً، والمطلقة لم يبق لها منها إلا أحكامها أو بعضها فقط.
وفي حديث مسلم عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبة حجة الوداع: فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف.
وهذه النفقة يرى بعض الفقهاء أنها تختلف بحسب حال يسار الزوج وعدمه، ومن أهل العلم من ذهب إلى أن العبرة بحال الزوجة فقط، ومنهم من ذهب إلى أن العبرة بحال الزوجين جميعا.
قال ابن قدامة في المغني: قال أصحابنا: ونفقتها معتبرة بحال الزوجين جميعا، فإن كانا موسرين فلها عليه نفقة الموسرين، وإن كانا معسرين فعليه نفقة المعسرين، وإن كانا متوسطين فلها عليه نفقة المتوسطين، وإن كان أحدهما موسرا والآخر معسرا فعليه نفقة المتوسطين أيهما كان الموسر. وقال أبو حنيفة ومالك: يعتبر حال المرأة على قدر كفايتها؛ لقول الله تعالى: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {البقرة: 233} والمعروف الكفاية، ولأنه سوّى بين النفقة والكسوة، والكسوة على قدر حالها فكذلك النفقة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لهند: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف. فاعتبر كفايتها دون حال زوجها، ولأن نفقتها واجبة لدفع حاجتها فكان الاعتبار بما تندفع به حاجتها دون حال من وجبت عليه كنفقة المماليك، ولأنه واجب للمرأة على زوجها بحكم الزوجية لم يقدر فكان معتبرا بها كمهرها وكسوتها، وقال الشافعي: الاعتبار بحال الزوج وحده؛ لقول الله تعالى: لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها. ولنا أن فيما ذكرناه جمعا بين الدليلين، وعملا بكلا النصين، ورعاية لكلا الجانبين، فيكون أولى.. انتهى.
وإذا ثبت هذا فليعلم انه ليس للزوجة حق في راتب زوجها، ولا يلزمه توفير الكماليات لها، ولكنه يتعين التنبه إلى أنه قد ثبت في الترغيب في الإنفاق على الأهل والإحسان إليهم عدة أحاديث منها: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك. رواه مسلم.
وفي الحديث: إذا أنفق الرجل على أهله نفقة وهو يحتسبها كانت له صدقة. رواه البخاري ومسلم.
وعن عمرو بن أمية قال: مر عثمان بن عفان أو عبد الرحمن بن عوف بمرط فاستغلاه، قال: فمر به على عمرو بن أمية فاشتراه فكساه امرأته سخيلة بنت عبيدة بن الحارث بن المطلب، فمر به عثمان أو عبد الرحمن فقال: ما فعل المرط الذي ابتعت؟ قال عمرو: تصدقت به على سخيلة بنت عبيدة، فقال: إن كل ما صنعت إلى أهلك صدقة. فقال عمرو: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذاك، فذكر ما قال عمرو لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: صدق عمرو، كل ما صنعت إلى أهلك فهو صدقة عليهم. رواه أبو يعلى والطبراني ورواته ثقات كما قال المنذري.
ويضاف لهذا ما ثبت من الترغيب في الإنفاق عموما، وبهذا يعلم الترغيب في الإحسان إلى الزوجة والتكرم والتفضل عليها بما تطلبه من جوال وغيره إن أمن استخدامها للجوال فيما لا يرضي الله تعالى، ويتأكد الأمر إذا كان اغلب جاراتها وقريباتها يملكن جوالا فقد يكون توفيره لها يدخل في حفظ عرض الزوجين من أن يتناوله الناس بالعتبى.
والله أعلم.