خلاصة الفتوى: البيع للمضطر بثمن أكثر من ثمن المثل بكثير بيع منهي عنه، وما فعله بعض التجار من بيع السلعة للمحاصرين في غزة بأثمان أكثر من ثمن المثل يعد من هذا النوع من البيوع.
فإن من الظلم العظيم الظاهر أن تمنع البضائع والسلع من الوصول إلى المحاصرين من أهل غزة، والذي يزيد الأمر سوءا والظلم فظاعة أن يكون المنع صادرا ممن يفترض أن يمد يد العون لإخوانه في الدين والعقيدة، فالمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله.
وبمنع وصول السلع والبضائع إلى هؤلاء فقد ظلمهم أولئك وخذلوهم وأسلموهم لعدوهم وأسلموهم للجوع والمرض، ولا ريب أن هذا من المحرمات العظيمة.
ومن الحرام والخذلان كذلك استغلال التجار لظروف هؤلاء المحاصرين بأن رفعوا أسعار السلع وضاعفوها أضعافا مضاعفة، وكان الأجدر بهم والأولى أن يبذلوا ما استطاعوا من أموالهم إعانة وإغاثة لإخوانهم أو على أقل تقدير أن يبيعوا لهم بثمن المثل، أما أن يصلوا بالأسعار إلى الضعف وضعف الضعف فهذا من الظلم في ظل اضطرار المحاصرين، وفي الحديث: لا ضرر ولا ضرار. رواه ابن ماجه.
فسره الإمام أحمد قائلا: يجيئك المضطر فتبيعه ما يساوي عشرة لعشرين فإني أكره أن يربح بالعشرة خمسة.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: المضطر هو الذي لا يجد حاجته إلا عند هذا الشخص فينبغي لمن عنده الحاجة أن يربح عليه مثل ما يربح على غير المضطر، ففي السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المضطر، فالذي يضطر الناس إلى شراء ما عنده من الطعام واللباس يجب عليه أن يبيعهم بالقيمة المعروفة، وخرج الإسماعيلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن كان عندك خير تعود به على أخيك وإلا فلا تزيده هلاكا على هلاكه. اهـ
وقال عبد الله بن معقل: بيع المضطر ربا.
وذهب بعض العلماء إلى أن بيع المضطر فاسد، جاء في رد المحتار: بيع المضطر وشراؤه فاسد وهو أن يضطر الرجل إلى طعام أو شراب أو لباس أو غيرهما ولا يبيعها البائع إلا بأكثر من ثمنها بكثير. اهـ
وعليه، فالذي نرى فيما حصل من بيع السلع للمحاصرين في غزة بالأسعار المضاعفة أن يخرج التجار ما زاد على ربح المثل ويتصدقوا به على هؤلاء المحاصرين عسى أن يكون في ذلك تكفيرا عن ظلمهم وخذلانهم لإخوانهم المضطرين المتضررين، وكونك قد بعت للتاجر لا نرى أنه يعفيك من هذه المسؤولية ما دمت تعلم أن التاجر سيبيع لهؤلاء فهو سيضاعف عليهم التكلفة.
والله أعلم.