خلاصة الفتوى:
ينبغي للمسلم المؤهل أن يخالط أنواع الناس ويتعرف على ما عندهم من خير وشر... ويسخر خبرته لخدمة دينه وأمته والبشرية كلها فهذا منهج الإسلام الصحيح.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الناس ليسوا في ذلك سواء، فمن كان قوي العقيدة راسخ الإيمان له من الثقافة والعلم ما يرد به الشبهات والقوة الشخصية ما يدفع به الهوى والشهوات... فلا شك أن الأفضل له مخالطة أنواع الناس والاطلاع على أحوالهم وواقعهم، ومعرفة كل ما عندهم من خير وشر... فهذا مظهر من مظاهر القوة التي يحبها الله ورسوله، ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز... وقال صلى الله عليه وسلم: المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجراً من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم. رواه أحمد وغيره وصححه الأرناؤوط، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مطلعين على أحوال زمانهم يعلمون الخير فيتبعونه والشر فيجتنبونه.
قال ابن القيم في أعلام الموقعين: وكما يذم الناس أرباب الحيل فهم يذمون أيضاً العاجز الذي لا حيلة عنده لعجزه وجهله بطرق تحصيل مصالحه، فالأول ماكر مخادع والثاني عاجز مفرط، والممدوح غيرهما وهو من له خبرة بطرق الخير والشر خفيها وظاهرها، فيحسن التوصل إلى مقاصده المحمودة التي يحبها الله ورسوله بأنواع الحيل، ويعرف طرق الشر الظاهرة والخفية التي يتوصل بها إلى خداعه والمكر به فيحترز منها ولا يفعلها ولا يدل عليها، وهذه كانت حال سادات الصحابة رضي الله عنهم فإنهم كانوا أبر الناس قلوباً وأعلم الخلق بطرق الشر ووجوه الخداع وأتقى الله من أن يرتكبوا منها شيئاً أو يدخلوه في الدين كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لست بخب ولا يخدعني الخب، وكان حذيفة أعلم الناس بالشر والفتن، وكان الناس يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن الخير وكان هو يسأله عن الشر، والقلب السليم ليس هو الجاهل بالشر الذي لا يعرفه بل الذي يعرفه ولا يريده بل يريد الخير والبر والنبي صلى الله عليه وسلم قد سمى الحرب خدعة.. ومن الأمثال السائرة: وبضدها تتبين الأشياء. وانظر في ذلك الفتوى رقم: 41538 وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.