الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمما ينبغي أن يعلم أولا أن كل ما يجري في هذا الكون إنما هو بتقدير من الله تعالى، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن. قال تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49}. فيعيش المؤمن بهذه العقيدة شجاعاً واثقاً بأن الله تعالى مقدر الأرزاق والآجال، مستحضراً قوله سبحانه: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ {التوبة:51} .
ولكن من حكمة الله تعالى أنه جعل للعين تأثيرا بإذن منه سبحانه، وقد دل على ذلك القرآن، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن أدلة القرآن: قوله تعالى عن يعقوب عليه السلام: وَقَالَ يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ {يوسف:67} . قال العلماء: إن ذلك كان خوفاً عليهم من العين، وقد وصف الله يعقوب بعد ذكره لهذه المسألة قائلاً: وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاه.
وقال سبحانه: وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ {القلم:51} .
ومن أدلة السنة فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن العين حق، فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا. رواه مسلم.
كما ورد في السلسلة الصحيحة للشيخ الألباني: العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر. وقال: إنه حديث حسن.
وحقيقة العين أنها: نظرٌ باستحسان مشوب بحسد من خبيث الطبع يحصل للمنظور منهُ ضررٌ قد يؤدي إلى قتله أو إصابته.
والعين هي السببُ الغالبُ لكثيرٍ من أمراض النَّاس بعد قضاء الله -تعالى- لكثرة انتشار الحسد والعياذ بالله. وقد قال عليه الصلاة والسلام: أكثر ما يموت من أُمَّتي بعد قضاء الله وقدره العين. حسَّن إسناده الإمامان ابن حجر والألباني -رحمهما الله تعالى-.
وللعلاج من العين طرق شرعية نافعة، وهي مبينة في الفتويين:7151، 19782.
ثم هذا الذي قلت إنه مشهور بالعين حتى يكاد هو يعترف بذلك، عليه أن يعلم أن ما به أمر خطير جدا، فإن أهل العلم قال الكثير منهم بتضمين العائن ما يصيب بعينه، وبالقصاص منه إذا علم تكرر ذلك منه.
قال الدسوقي المالكي: (تنبيه) يقتص من العائن القاتل عمدا بعينه إذا علم ذلك منه وتكرر...
وجاء في طرح التثريب لعبد الرحيم بن الحسين العراقي ما نصه: قد يؤخذ من قوله: العين حق. أنه إذا أتلف شيئا بإصابة عينه ضمنه، وإذا قتل قتيلا ضمنه بالقصاص أو الدية...
وفي الموسوعة الفقهية: إذا أدى الحسد إلى التلف أو القتل أو اعترف الحاسد بأنه قتله بالعين ففي وجوب القصاص أو الدية خلاف. فقال القرطبي كما ذكر الحافظ في الفتح: لو أتلف العائن شيئا ضمنه, ولو قتل فعليه القصاص أو الدية إذا تكرر ذلك منه بحيث يصير عادة, وهو في ذلك كالساحر. وتذكر كتب الشافعية أن العائن إذا أصاب غيره بالعين واعترف بأنه قتله بالعين فلا قصاص, وإن كانت العين حقا؛ لأنه لا يفضي إلى القتل غالبا ولا يعد مهلكا, ولا دية فيه ولا كفارة؛ لأن الحكم إنما يترتب على منضبط عام دون ما يختص ببعض الناس في بعض الأحوال...
فليقلع عن هذا الأمر وليتب إلى الله منه.
وأما طريقة التعامل معه فإنها بالتوكل على الله، والعلم أن ما أصاب المرء لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
وليس صحيحا أن العين لا تزول إلا إذا مات صاحبها.
وما ذكرته من أنه بعد يوم أصابك ألم غريب في نفس المكان الذي ذكره، قد يكون فيه شيء من تأثير الحالة النفسية عندك، والتي ترتبت على تهديده لك. وخصوصا أنه قد انغرس في ذهنك ما له من الشهرة بالعين.