السؤال
هل يجوز أن أصلي عن الميت؟ أم أنه يقتصر على الدعاء والصدقة والصيام له؟وهل ما يقام في بعض الدول العربية ويسمى الشادر- قراءة القرآن في الطرق العامة- يعتبر بدعة ولماذا؟ جزاكم الله خيرا عنا وعن جميع المسلمين
هل يجوز أن أصلي عن الميت؟ أم أنه يقتصر على الدعاء والصدقة والصيام له؟وهل ما يقام في بعض الدول العربية ويسمى الشادر- قراءة القرآن في الطرق العامة- يعتبر بدعة ولماذا؟ جزاكم الله خيرا عنا وعن جميع المسلمين
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل أن لا يصلي أحد عن أحد، قال القرطبي رحمه الله ( وأجمعوا أنه لا يصلي أحد عن أحد ) انتهى من تفسير القرطبي لقوله تعالى ( وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ) (النجم:39)
وذلك لأن الصلاة من العبادات البدنية المحضة فلا تدخلها النيابة.
وإن كان المراد أن تصلي نافلة ثم تهب ثوابها للميت، فهذا أجازه جماعة من أهل العلم.
قال في متن الإقناع من كتب الحنابلة: (وكل قربة فعلها المسلم وجعل ثوابها أو بعضها كالنصف ونحوه، لمسلم حي أو ميت جاز، ونفعه، لحصول الثواب له... من تطوع وواجب، تدخله النيابة كحج ونحوه، أولا ( أي لا تدخله النيابة) كصلاة وكدعاء واستغفار وصدقة وأضحية وأداء دين وصوم وقراءة وغيرها).
وقال في شرحه كشاف القناع: ( وقول المصنف: أو لا، كصلاة: هو معنى قول القاضي: إذا صلى فرضاً وأهدى ثوابه صحت الهدية وأجزأ ما عليه، قال في المبدع: وفيه بُعد) انتهى.
والأشهر عند الحنابلة أنه لا يصح هبة ثواب الفرض، قال في شرح منتهى الإرادات ( ولو صلى فرضاً وأهدى ثوابه لميت لم يصح في الأشهر، وقال القاضي: يصح. وبعد) انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ( وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالصدقة على الميت، وأمر أن يصام عنه الصوم، فالصدقة عن الموتى من الأعمال الصالحة، وكذلك ما جاءت به السنة في الصوم عنهم. وبهذا وغيره احتج من قال من العلماء: إنه يجوز إهداء ثواب العبادات المالية والبدنية إلى موتى المسلمين. كما هو مذهب أحمد وأبي حنيفة، وطائفة من أصحاب مالك والشافعي.
فإذا أهدي لميت ثواب صيام أو صلاة أو قراءة جاز ذلك وأكثر أصحاب مالك والشافعي يقولون: إنما شرع ذلك في العبادات المالية.
ومع هذا لم يكن من عادة السلف إذا صلوا تطوعاً وصاموا وحجوا أو قرأوا القرآن، يهدون ثواب ذلك لموتاهم المسلمين، ولا بخصوصهم، بل كان عادتهم كما تقدم- أي فعل العبادة لأنفسهم مع الدعاء والصدقة للميت- فلا ينبغي للناس أن يبدلوا طريق السلف، فإنه أفضل وأكمل) انتهى من الفتاوى الكبرى ج 3 ص 37
ولهذا فالأفضل والأكمل أن يقتصر المسلم على ما وردت به السنة كالدعاء للميت والصدقة، والصيام عنه إذا كان عليه صوم واجب، وكذلك الحج عنه إذا كان عليه حج واجب، لأدلة كثيرة منها:
قوله صلى الله عليه وسلم "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو ولد صالح يدعو له، أو علم ينتفع به" رواه مسلم.
وعند النسائي: أن سعداً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أمي ماتت ولم توص، أفأتصدق عنها؟ قال: نعم".
وعند النسائي أيضاً: "إن أمي ماتت وعليها نذر، أفيجزئ عنها أن أعتق عنها؟ قال: نعم".
وفي صحيح البخاري ومسلم: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا رسول الله، إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، أفأقضيه عنها؟ قال: نعم، فدين الله أحق أن يقضى".
وعند الترمذي وأبي داود، وأحمد أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن أمي ماتت ولم تحج، أفأحج عنها؟ قال: نعم، حجي عنها". قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
أما إقامة السرادقات (الشادر) في الطرق العامة لقراءة القرآن على روح الميت، فهو بدعة، لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أمر محدث، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد" رواه البخاري ومسلم، وقوله في (أمرنا) أي: في ديننا، وقوله (رد) أي: مردود على صاحبه كائناً من كان.
ولو كان ذلك مشروعاً لسبقنا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته، فالاجتماع بهذه الكيفية، وبهذه الطريقة مع ما يحدث من مخالفات أخرى، كشرب الدخان، والتباهي، والفخر، والإسراف، والتبذير الذي يحدث في هذه المناسبات إلى غير ذلك من المخالفات لا يشك عاقل - مع كل ذلك- في عدم مشروعيته والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني