السؤال
ما حكم قطع النسل لأسباب مرضية مثل تشوه الطفل لعدة مرات، علما بأن الأم مصابة بمرض فقر الدم المزمن, ويؤدي إلى موت الطفل في أغلب الأحيان، علما بأن الزوجين يربط بينهما صلة رحم وقد فقدوا أربعة أطفال والزوجة لها تابعة الجن، وأرجو أن أحصل على جواب ؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن قطع الحمل نهائياً لا يجوز إلا إذا كان الحمل يسبب خطراً محققاً على حياة المرأة، أو كانت تعاني بسبب الحمل ما لا تطيقه ولا تتحمله من المشاق والآلام، وأن لا توجد في كلتا الحالتين طريقة أخرى لمنع مؤقت للحمل، فقد نص أهل العلم على أنه لا يجوز للمسلم قطع الإنجاب نهائياً، لما فيه من قطع النسل وتقليله، وهو مخالف لأوامر الشرع بالمكاثرة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم. رواه أحمد وأصحاب السنن.
وإذا غلب على ظنكم وجود التشوه في الأبناء فلا حرج في اتخاذ وسيلة لمنع الإنجاب مؤقتاً كالعزل أو الواقي أو حبوب منع الحمل ونحو ذلك، مما لا يقطع الإنجاب كلياً، ثم تسعون في العلاج وإزالة أسباب التشوه.
وأما موضوع التابعة فإن تؤكد منه أو غلب الظن به فعالجوه بالرقية الشرعية، ويمكن أن يسترقى لها من جرب نجاحه في الرقية، وكان من أهل الاستقامة وصلاح المعتقد، كما يمكن أن ترقي نفسها أو يرقيها زوجها أو أحد محارمها، وننصح الأخت أن تكثر من قراءة سورة البقرة، وخصوصاً الآيتين الأخيرتين منها، وبتكرار آية الكرسي، لما في الحديث: اقرؤوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة. رواه مسلم. وفي حديث آخر: إن الله عز وجل كتب كتاباً قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام، أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة، لا يقرآن في دار ثلاث ليال فيقربها الشيطان. رواه الترمذي والحاكم والطبراني، وقال الهيثمي: رجاله ثقات، وصححه الألباني.
وفي البخاري: أن الشيطان قال لأبي هريرة: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، فإنه لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح، ولما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، قال: صدقك وهو كذوب. ولتحافظ على قراءة الإخلاص والمعوذتين ثلاثاً كل مساء وكل صباح، وعلى الأذكار المقيدة والمطلقة، لما في الحديث: قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاثاً تكفيك كل شيء. رواه أحمد وأصحاب السنن، وصححه الألباني. وفي الحديث: وآمركم بذكر الله كثيراً، وإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره فأتى حصناً حصيناً فتحصن فيه، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله عز وجل. أخرجه أحمد والترمذي والحاكم وصححه الألباني.
والرقية الشرعية قد بينها العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في الزاد فقال: فمن التعوذات والرقى: الإكثار من قراءة المعوذتين، وفاتحة الكتاب، وآية الكرسي، ومنها: التعوذات النبوية، نحو: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، ونحو: أعوذ بكلمات الله التامات من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة. ونحو: أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، ومن شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض، ومن شر ما يخرج منها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن شر طوارق الليل والنهار إلا طارقاً بخير يا رحمن. ومنها: أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه، ومن شر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون. ومنها: اللهم إني أعوذ بوجهك الكريم، وكلماتك التامات من شر ما أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت تكشف المأثم والمغرم، اللهم إنه لا يهزم جندك، ولا يخلف وعدك، سبحانك وبحمدك، ومنها: أعوذ بوجه الله العظيم الذي لا شيء أعظم منه، وبكلمات التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، وأسماء الله الحسنى ما علمت منها وما لم أعلم، من شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شر كل ذي شر لا أطيق شره، ومن شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته، إن ربي على صراط مستقيم. ومنها: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، لا حول ولا قوة إلا بالله، أعلم أن الله على كل شيء قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيء عدداً، اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي، وشر الشيطان وشركه، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم، وإن شاء قال: تحصنت بالله الذي لا إله إلا هو، إلهي وإله كل شيء، واعتصمت بربي ورب كل شيء، وتوكلت على الحي الذي لا يموت، واستدفعت الشر بلا حول ولا قوة إلا بالله، حسبي الله ونعم الوكيل، حسبي الرب من العباد، حسبي الخالق من المخلوق، حسبي الرازق من المرزوق، حسبي الذي هو حسبي، حسبي الذي بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه، حسبي الله وكفى، سمع الله من دعا، ليس وراء الله مرمى، حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم، ومن جرب هذه الدعوات والعوذ، عرف مقدار منفعتها وشدة الحاجة إليها، وهي تمنع وصول أثر العائن، وتدفعه بعد وصوله بحسب قوة إيمان قائلها، وقوة نفسه، واستعداده وقوة توكله وثبات قلبه، فإنها سلاح والسلاح بضاربه. انتهى.
ونوصي الأخت بمواصلة العلاج بالرقية الشرعية حتى يتم الله تعالى شفاءها، فإن العلاج قد يستغرق بعض الوقت حتى يصيب الداء الدواء، فتبرأ بإذن الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا ولا تداووا بحرام. رواه أبو داود.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لكل داء دواء، فإن أصيب الداء الدواء برئ بإذن الله عز وجل. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وقال الذهبي في التلخيص: على شرط مسلم.
ولا مانع من الاستمرار على الرقية أن تأخذ بأسباب العلاج الأخرى، كالاستعانة بطبيب أمراض نفسيه مسلم ثقة، ومباشرة أسباب الدواء المشروعة كشرب زمزم، واستعمال الحبة السوداء والادهان بزيتها أو شربه، ويمكن قراءة القرآن على زمزم وزيت الحبة السوداء، ثم تتعالجي به شرباً أو ادهاناً، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ماء زمزم لما شرب له. رواه أحمد وابن ماجه والحاكم، وصححه الألباني.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: زمزم طعام طعم، وشفاء سقم. رواه ابن أبي شيبة والبزار، وصححه الألباني في الترغيب، وفي الحديث أيضاً: خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم، فيه طعام طعم، وشفاء السقم. رواه الطبراني وابن حبان، قال المنذري: رواة الطبراني ثقات، وحسنه الألباني. قال ابن القيم في مدارج السالكين: كنت آخذ قدحاً من ماء زمزم فأقرأ عليه الفاتحة مراراً فأشربه، فأجد به من النفع والقوة ما لم أعهد مثله في الدواء.
والله أعلم.