السؤال
أولاً: شكراً على ردودكم السريعة هذا يدل على كفاءتكم
سؤالي هو: في حادثة تطليق الرسول طلقه واحدة لزوجته القوامة الصوامة كانت أيضا عائشة رضي الله عنها قد اشتركت في ذلك بقصة المغافير التي قرأتها عندكم فلماذا طلق حفصة ولم يعمل هذا بشأن الأخرى، وهل لأن الرسول مال لعائشة رضي الله عنها أكثر أم ما هو السبب الذي يجعل الصادق الأمين يتصرف بشيء من هذا، وكأنه لم يعدل معهن، فأرجو المعذرة، فأنا أريد الرد لمن يسألني ويتهم؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقبل أن نشرع في الجواب ينبغي التنبيه على أمر مهم وهو أنه يجب على المسلم أن يصون دينه عن الشبهات فلا يستمع إليها، لأن الشبهة قد تستقر في قلبه ولا يستطيع دفعها لضعف إيمانه أو قلة علمه أو هما معاً، وقد نص العلماء على حرمة النظر في كتب أهل الكتاب لما فيها من التحريف، وعلى مجالسة أهل البدع والأهواء، وكلامهم في ذلك منتشر مشهور. وانظري في ذلك الفتوى رقم: 14742.
وأما ما سألت عنه فجوابه أن سبب تطليق النبي صلى الله عليه وسلم لحفصة -كما ذكر أهل العلم- هو إفشاؤها لسره الذي أسر إليها حين وجدت معه أم إبراهيم في بيتها ويومها، قال تعالى: وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ {التحريم:3}، قال البيضاوي: وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه -يعني حفصة- [حديثا] تحريم مارية أو العسل، أو أن الخلافة بعده لأبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما [فلما نبأت به] أي فلما أخبرت حفصة عائشة رضي الله تعالى عنهما بالحديث [وأظهره الله عليه] وأطلع النبي عليه الصلاة والسلام على الحديث أي على إفشائه [عرف بعضه] عرف الرسول صلى الله عليه وسلم حفصة بعض ما فعلت [وأعرض عن بعض] عن إعلام بعض تكرما، أو جازاها على بعض بتطليقه إياها وتجاوز عن بعض.
وذكر القرطبي في تفسيره عن الكلبي قال: سبب نزول هذه الآية غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم على حفصة لما أسر إليها حديثاً فأظهرته لعائشة، فطلقها تطليقة، فنزلت الآية وهي قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ.
فحفصة هي التي أفشت سره إلى عائشة فأدبها صلى الله عليه وسلم بذلك.
وأما قصة العسل والمغافير وتمالؤ عائشة وحفصة رضي الله عنهما عليها وقيل سودة أيضاً؛ لأنها كانت من حزب عائشة كما ذكر ابن حجر فليست هي السبب، وهي أخف من إفشاء السر.
هذا مع التنبيه إلى أن الطلاق ليس مما يطالب فيه الرجل بالعدل، فلا يجب على الرجل إذا طلق إحدى نسائه أن يطلق غيرها منهن ولا يندب له ذلك، هذا مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال له ربه: تُرْجِي مَن تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاء وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا {الأحزاب:51}، فلا جناح عليه صلى الله عليه وسلم أن يؤوي إليه منهن من شاء، ويرجي من شاء، وقد كانت عائشة رضي الله عنها من أحب نسائه إليه، ولهذا سأل الله تعالى ألا يؤاخذه في الميل العاطفي لأنه لا يملكه، فكان يقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك. رواه أحمد وغيره، لكن أعله جماعة من حفاظ الحديث بالإرسال. ويدل على مزيد حب النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة، قول عمر لحفصة رضي الله عنهما المشهور: لا يغرنك أن كانت جارتك هي أوضأ منك وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يريد عائشة. كما عند البخاري وغيره، وقال ابن حجر في الفتح: وكانت سودة رضي الله عنها تهاب عائشة لما تعلم من مزيد حب النبي صلى الله عليه وسلم لها أكثر منهن.
إذن، فلا شك أن عائشة رضي الله عنها كانت من أحب نسائه إليه، ولكن طلاقه لزوجه الصوامة القوامة دون عائشة أو غيرها من نسائه فهو لما كان منها من إفشاء سره صلى الله عليه وسلم، كما بينا على أنه له أن يطلق حفصة أو من شاء من نسائه لأي سبب ولا حرج في ذلك، ولا ينافي العدل لما سبق.
والله أعلم.