السؤال
لقد وهب لنا أبونا نحن خمسة أولاد ذكور مع أختي الشقيقة في إطار اتفاق أرضا صالحة للبناء: أرضا ملكا له وهو الآن على قيد الحياة وأرضا ملكا لأمي المتوفاة فأخذت أنا وأختي الشقيقة أرض أمي مع العلم أن أختي متزوجة ولها مسكن ، فشيدت أنا منزلا فوق تلك الأرض وتركت لأختي الطابق الثاني كي تبني عليه مسكنا، وبعد سنين أرادت أن تبني مسكنا فوق منزلي فعرضت عليها درءا لكل شراكة أو مشاكل أو ضيق بيع كل المنزل (أي ما شيدته) وإعطاؤها نصيبها من مال ، فرفضت . ما العمل حسب الشرع وكم يكون نصيبها. مع العلم أنها هي الوحيدة من إخوتي البنات الخمس غير الشقيقات التي أخذت نصيبها، وهل ما تم من قسمة شرعي ؟
ولكم جزيل الشكر.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فتقسيم الشخص ماله قبل وفاته بين ورثته على سبيل الهبة جائز, وهو ماض إذا حيز عنه حال صحته ومضي تصرفه. قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى: إذا قسم الأب ما بيده بين أولاده، فإن كان بطريق أنه ملك كل واحد منهم شيئا على جهة الهبة الشرعية المستوفية لشرائطها من الإيجاب والقبول والإقباض أو الإذن في القبض، وقبض كل من الأولاد الموهوب لهم ذلك، وكان ذلك في حال صحة الواهب جاز ذلك، وملك كل منهم ما بيده لا يشاركه فيه أحد من إخوته. ومن مات منهم أعطي ما كان بيده من أرض ومغل لورثته...، وإن كان ذلك بطريق أنه قسم بينهم من غير تمليك شرعي، فتلك القسمة باطلة، فإذا مات كان جميع ما يملكه إرثا لأولاده للذكر مثل حظ الأنثيين. اهـ.
وفيما يخص هذا الخلاف الذي صار بينك وبين أختك في شأن بيع العقار أو البناء فوقه، فالذي ننصحكما به هو أن تصطلحا في موضوعه، ولا تلجآ إلى الخصام. وكان ينبغى لك أنت أن تقبل لها البناء فوق منزلك، لأنك ذكرت في السؤال أنك شيدت المنزل فوق تلك الأرض وتركت لها الطابق الثاني كي تبني عليه مسكنا، فكان ينبغي أن تفي لها بهذا، ولا تدع مجالا للخصام والشحناء.
وإن كنت لا تقبل لها ما أرادت, وهي لا تقبل ما تريده أنت من بيع العقار كله، فاعلم أن لها الحق في الاشتراك معك في المبنى إن أرادت ذلك، بدفع نصف قيمته قائما أو منقوضا على خلاف في ذلك بين أهل العلم، ولها الحق أيضا في أن ترجع عليك بنصف كراء الأرض طيلة المدة التي كنت تستغلها خلالها، إلا أن تكون سكتت عن ذلك راضية بتركه لك. ففي منح الجليل عند قول خليل وهما من كتب المالكية : وإذا غرس أحد الشريكين أو بنى فللآخر الدخول معه ويعطيه قيمة ذلك قائما، قال: ... إما أن يكون الغرس أو البناء أو الحفر مع غيبة الشريك الثاني أو مع حضوره وسكوته عالما أو مع إذنه, فإن كان غائبا غير عالم فيتخرج فيه قولان, أن يكون له قدر حظ شريكه من قيمة عمله قائما لأن الشركة في الأرض شبهة إلا أن يزيد على قدر حظه من النفقة التي أنفقها فلا يزاد عليه, والثاني أن الشركة ليست شبهة فليس له سوى قيمة حظه منقوضا, وهذا قول ابن القاسم , وإن كان الغرس ونحوه مع حضوره وسكوته. فإن قلنا السكوت إذن فاختلف هل له كراء حصته فيما مضى قبل قيامه أم لا على قولين, وعلى الأول لا بد من يمينه أنه ما سكت راضيا بترك حقه, وإن قلنا ليس السكوت إذنا فله كراء الماضي قولا واحدا, وإن كان الغرس ونحوه بإذن الشريك فحكمه حكم ما تقدم في السكوت على أنه إذن.
وقد علمت من هذه النصوص أن الأفضل لك أن تسمح لأختك بالبناء فوق بيتك، قطعا للنزاع وتحصيلا للمودة.
والله أعلم.