السؤال
ما مدى التوسع في سد الذرائع وهل يجوز رفع سنة متواترة بحجة سد الذرائع؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمن قواعد الشرع الحنيف أن الذرائع (الطرق) المفضية إلى الحرام تعتبر محرمة، لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، فما كان وسيلة إلى حرام فهو حرام وإن كان في أصله مباحا.
وسد الذرائع أصل من أصول مذهب الإمام مالك رحمه الله، وقال به غيره من العلماء، إلا أنهم لم يعتبروه أساسا تبنى عليه الأحكام كما عند المالكية. قال الشوكاني في إرشاد الفحول: قال القرافي: لم ينفرد بذلك (يعني مالكا) بل كل واحد يقول بها ولا خصوصية للمالكية بها إلا من حيث زيادتهم فيها. قال: فإن من الذرائع ما هو معتبر بالإجماع، كالمنع من حفر الآبار في طريق المسلمين، وإلقاء السم في طعامهم، وسب الأصنام عند من يعلم من حاله أنه يسب الله، ومنها ما هو ملغى إجماعا، كزراعة العنب فإنها لا تمنع خشية الخمر، وإن كانت وسيلة إلى المحرم، ومنها ما هو مختلف فيه كبيوع الآجال، فنحن لا نغتفر الذريعة فيها. وخالفنا غيرنا في أصل القضية أنا قلنا بسد الذرائع أكثر من غيرنا لا أنها خاصة بنا.
ولا يجوز التوسع في سد الذرائع لأن ذلك يؤدي إلى الحرج والمشقة والحرج مرفوع.
وأما رفع السنن بحجة سد الذرائع، فإن كانت تلك السنن توجب حكما في الدين فلا يجوز بحال أن يرفع ذلك الحكم بحجة سد الذريعة.
وإن كانت السنن تفيد إباحة أمر معين أو استحبابه، فإن من أهل العلم من قيد تلك الإباحة أو ذلك الاستحباب سدا لذريعة الوقوع في المحرم. وهذا التقييد ليس خاصا بالسنن المتواترة، بل قد يقيدون نص القرآن بهذا الأصل. فقول الله تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا {البقرة : 275}، ظاهر في أن كل بيع مباح ما لم يكن مشتملا على صورة من صور الربا، ولكن المالكية قيدوا هذه الإباحة في بيوع الآجال، فمنعوا جميع الصور التي يكثر قصدها، والتي يمكن فيها التحايل لعقد صفقات ربوية.
ومثل هذا تقييد مالك لما روى أبو ذر رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر: إذا صمت من الشهر ثلاثة أيام فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة. رواه أحمد والنسائي والترمذي. فكان -رحمه الله- لا يرى صومها لمن يُقتدَى به خشية ظن العوام وجوبها. ومع ذلك فقد روي أنه كان يصومها أحيانا ويحض على صيامها. قال المواق في التاج والإكليل: ... ابن رشد: إنما كره مالك صومها لسرعة أخذ الناس بقوله فيظن الجاهل وجوبها, وقد روي أن مالكا كان يصومها، وحض مالك أيضا الرشيد على صيامها.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني