السؤال
ما حكم الوضوء على الوضوء؟ مع ذكر المصدر"الكتاب" ومؤلفه. وجزاكم الله خيراً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالوضوء على الوضوء، أو ما يعرف بتجديد الوضوء، مستحب عند جمهور الفقهاء، بمن فيهم الأئمة الأربعة، وعن الإمام أحمد رواية لا فضل فيه، والأصح عند الحنابلة الرواية الموافقة للجمهور.
واشترط الشافعي للاستحباب في الأصح من مذهبهم أن تصلي بالوضوء الأول ركعتين فرضاً أو نفلاً، واشترط الأحناف أن يفصل بين الوضوءين بمجلس أو صلاة، فإن لم يفصل كره، عندهم، ونقل عن بعضهم مشروعية التجديد وإن لم يفصل، ما دام لا يعتقد سنية الغسلة الرابعة لأعضاء الوضوء.
واشترط المالكية أن يفصل بين الوضوء الأول والثاني بعبادة يشترط لصحتها الوضوء من طواف أو صلاة أو مس مصحف …الخ، واستدلوا على استحباب تجديد الوضوء بأدلة كثيرة منها: ما رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن غطيف الهذلي قال: رأيت ابن عمر يوماً توضأ لكل صلاة فقلت: أصلحك الله! أفريضة أم سنة الوضوء عند كل صلاة؟ فقال: لا. لو توضأت لصلاة الصبح لصليت به الصلوات كلها ما لم أحدث، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من توضأ على طهرٍ، فله عشر حسنات، وإنما رغبت في الحسنات. إلا أن هذا الحديث قال عنه النووي في المجموع شرح المهذب: ضعيف متفق على ضعفه، وممن ضعفه الترمذي والبيهقي. انتهى.
واحتجوا أيضاً بما رواه البخاري عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة، وكان أحدنا يكفيه الوضوء ما لم يحدث.
قال النووي: لكن لا دلالة فيه للتجديد لاحتمال أنه كان يتوضأ عن حدث، وهذا الاحتمال مقاوم لاحتمال التجديد، فلا يرجح التجديد إلا بمرجح آخر. انتهى.
واحتجوا بما روي عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: الوضوء على الوضوء نور على نور. قال ابن حجر الهيتمي في الفتاوى: قال المنذري والزين العراقي لم نقف على من خرجه، واعترضا بأن رزيناً أورده في كتابه. انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: وهو حديث ضعيف. انتهى.
وبما رواه مسلم عن بريدة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة، فلما كان يوم الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد فقال له عمر: إنك فعلت شيئاً لم تكن تفعله فقال: عمداً فعلته. أي لبيان الجواز. وبما رواه أحمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء، ومع كل وضوء بسواك.
وبما أخرجه البخاري وأصحاب السنن: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ عند كل صلاة. زاد الترمذي: طاهراً أو غير طاهر.
وبما أخرجه مسلم عن جابر بن سمرة أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت. قال أنتوضأ من لحم الإبل؟ قال: نعم.
قال ابن الأمير الصنعاني في سبل السلام: وفي الحديث مأخذ لتجديد الوضوء، فإنه حكم بعدم نقض الأكل من لحوم الغنم، وأجاز له الوضوء، وهو تجديد الوضوء على الوضوء. انتهى.
وللإمام الشوكاني في نيل الأوطار كلام تفسير في هذا الموضوع ننقله برمته لتمام الفائدة: وفي حديث عدم الوضوء من لحوم الغنم دليل على تجديد الوضوء، لأنه حكم صلى الله عليه وسلم بأن أكل لحومها غير ناقض.
ثم قال للسائل عن الوضوء "إن شئت" وقد وردت الأحاديث الصحيحة في فضل الوضوء كحديث " ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء، ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمد عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء " أخرجه مسلم وأهل السنن من حديث عقبَه بن عامر.
وحديث "إنها تخرج خطاياه مع الماء أو مع آخر قطر الماء " عند مسلم ومالك والترمذي من حديث أبي هريرة وحديث "من توضأ نحو وضوئي هذا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة " أخرجه الشيخان من حديث عثمان.
وحديث "إذا توضأت اغتسلت خطاياك كيوم ولدتك أمك" عند مسلم والنسائي من حديث أبي أمامة، وغير ذلك كثير. فهل يجمُل بطالب الحق الراغب في الأجر أن يدع هذه الأدلة التي لا تحتجب أنوارها على غير أكمه، والمثوبات التي لا يرغب عنها إلا أبله، ويتمسك بأذيال تشكيك وشبهة مهدومة هي مخافة الوقوع بتجديد الوضوء لكل صلاة من غير حدث في الوعيد الذي ورد في حديث " فمن زاد فقد أساء وتعدى وظلم" بعد أن تكاثرت الأدلة على أن الوضوء لكل صلاة عزيمة، وأن الاكتفاء بوضوء واحد لصلوات متعددة رخصة، بل ذهب قوم إلى الوجوب عند القيام للصلاة كما أسلفنا، دع عنك هذا كله، هذا ابن عمر يروى أن رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم قال: من توضأ على طهر كتب الله له به عشر حسنات. أخرجه الترمذي وأبو داود. فهل أنص على المطلوب من هذا؟ وهل يبقى بعد التصريح ارتياب؟ انتهى كلامه.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني