الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

جمع القرآن وحفظ الله تعالى له من التبديل والتحريف

السؤال

سؤالي عن جمع القرآن الكريم في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه، حيث تم النقاش من قبل شخص نصراني يَدَّعِي أن عثمان رضي الله عنه قام بتحريف القرآن أثناء جمعه، وفي حقيقة الأمر أنا مسلم والحمد لله، وأود منكم أدلة حتى أتمكن من الرد على هذا الشخص وإقناعه، عسى أن يوفقنا الله لما فيه خير هذا الدين.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الذي ألجأ النصارى للطعن في القرآن هو محاولة نزع الثقة عن القرآن، حتى لا يظل هو النص الإلهي الوحيد المصون من التحريف والتبديل، وكذلك صرف الناس عن الخلل الموجود في كتابهم المحرف، والذي أقر به علماء النصارى أنفسهم ومنهم: "كلارك" -شارح الكتاب المقدس في أربعة أجزاء- قال: إن هناك أربعين ألف خطأ في الكتاب المقدس من الترجمات والحذف والنقل وغيرها. اهـ.

وهو ما دفع كثيراً من علمائهم المنصفين إلى اعتناق الإسلام وكان من بينهم: "فارس الشدياق" الذي عكف هو ولجنة من علماء النصارى العرب على إعادة صياغة الكتاب المقدس بأسلوب عربي رصين، وبعد أن أتم العمل أسلم، لما شاهده من التحريف والتبديل، وقال: هؤلاء قوم يهرفون بما لا يعرفون، وكلما ضاق بهم الأمر كتبوا ما يريدون. اهـ.

فلا عجب أن نرى في كل فترة من الزمان نسخة جديدة مكتوبا عليها: مزيدة ومنقحة. وراجع الفتوى: 29326.

أما القرآن فمحفوظ من أن يتطرق إليه أي تحريف، لأن الله تكفل بحفظه ولم يكله إلى الناس قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {الحجر:9}.

ومن المعلوم أن القرآن نقل تواتراً، وأن المسلمين توارثوا نقله جيلاً عن جيل، ولم يلق النبي -صلى الله عليه وسلم- ربه إلا والقرآن كله محفوظ مكتوب على رقاع متفرقة وما شابهها، وفي منتصف خلافة أبي بكر دعت الحاجة إلى كتابة ما كتب مفرقاً من الصحائف التي كتبها كتبة الوحي في حضرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وجمعه في مصحف، أما جمع عثمان -رضي لله عنه- للقرآن فقد كان سببه اختلاف الناس في القراءات وتنازعهم كما سبق في الفتوى: 41672. وهو ما حمل حذيفة على أن يفزع إلى أمير المؤمنين كي يدرك الأمة قبل أن تتفرق حول القرآن كما تفرق اليهود والنصارى، فنهض -رضي الله عنه- للقيام بجمع القرآن، وندب لهذه المهمة زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن الحارث، وكان زيد من كتبة الوحي، وحافظاً متقناً للقرآن سماعاً مباشراً من فم النبي -صلى الله عليه وسلم-، وحضر العرضة الأخيرة للقرآن من النبي -صلى الله عليه وسلم- على جبريل وهو الذي جمع القرآن في خلافة أبي بكر، وتم الجمع على منهج دقيق حكيم للغاية، قوامه أمران:
الأول: المصحف الذي تم تنسيقه في خلافة أبي بكر، وقد سبق أن بينا أن هذا المصحف تم جمعه عن طريق الوثائق الخطية التي سجلها كتبة الوحي في حضرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان لا يُقبل شيء في مرحلة الجمع الثاني ليس موجوداً في تلك الوثائق التي أقرها النبي -صلى الله عليه وسلم-.
الثاني: أن تكون الآيات محفوظة حفظًا مطابقاً لما في مصحف أبي بكر عن رجلين من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا يكفي حفظ الرجل الواحد، ولا يكفي وجودها في مصحف أبي بكر، بل لا بد من الأمرين معاً.

فهذه النسخة هي التي بين أيدينا وهي التي أجمع عليها الصحابة، وللمزيد راجع الفتاوى: 17828، 6472، 21795.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني