السؤال
نريد أن نقوم بتجارة مع أحد الأشخاص في مكان عام ولكن المشكلة أن المكان الذي نريد أن نتاجر فيه كان يتاجر فيه أناس اخرون وأخذ منهم غصبا من طرف أحد الأشخاص وتركه لنا الآن بعد ما تاجر فيه لمدة سنة فهل يجوز لنا أن نتاجر فيه مع العلم أن صاحبه الأصلي لانعرفه مع العلم أن المكان عام من أملاك الدولة؟جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كانت المتاجرة في هذا المكان العام لا تضر بالمسلمين، فلكم أن تتاجروا في هذا المكان العام، حتى يطلبه الشخص الأصلي الذي كان يتاجر فيه أولا، لأنه بسبقه إليه فهو أحق به من غيره، وغصب هذا المكان منه لا يسقط حقه، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: لا يقم أحدكم أخاه فيجلس في مجلسه. رواه أحمد والترمذي، وقوله صلى الله عليه وسلم: إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به. رواه مسلم. وقد استدل العلماء بهذه الأحاديث وما في معناها على أن مقاعد الباعة من الأفنية والطرق التي هي غير متملكة، من اعتاد الجلوس في شيء منها، فهو أحق به حتى يتم غرضه. قال الإمام القرطبي في المفهم: هذا الحديث يدل على صحة القول بوجوب اختصاص الجالس بموضعه إلى أن يقوم منه، وما احتج به من حمله على الأدب لكونه ليس ملكا له لا قبل ولا بعد ليس بحجة لأنا نسلم أنه غير ملك له لكن يختص به إلى أن يفرغ غرضه فصار كأنه ملك منفعته فلا يزاحمه غيره عليه. وقال الإمام النووي: قال أصحابنا: هذا الحديث في من جلس في موضع من المسجد أو غيره لصلاة مثلا، ثم فارقه ليعود، بأن فارقه ليتوضأ أو يقضي شغلا يسيرا ثم يعود، لم يبطل اختصاصه، بل إذا رجع فهو أحق به في تلك الصلاة. فإن كان قعد فيه غيره فله أن يقيمه، وعلى القاعد أن يفارقه لهذا الحديث، هذا هو الصحيح عند أصحابنا، وأنه يجب على من قعد فيه مفارقته إذا رجع الأول. وقال بعض العلماء: هذا مستحب ولا يجب وهو مذهب مالك، والصواب الأول. وقال ابن أبي جمرة: والحكمة في هذا النهي ـ أي النهي عن أن يقام المسلم عن موضعه الذي جلس فيه ـ منع استنقاص حق المسلم المقتضي للضغائن والحث على التواضع المقتضي للمواددة، وأيضا فالناس في المباح كلهم سواء فمن سبق إلى شيء استحقه ومن استحق شيئا فأخذ منه بغير حق فهو غصب والغصب حرام. أما إذا كانت المتاجرة في هذا المكان تضر المسلمين، فلا يجوز لكم ولا لهذا الشخص الذي كان أن يتاجر فيه، ومن تاجر فيه وجب على المسؤولين أن يقيموه.
والله أعلم.