الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن جمهور الفقهاء على أن الحلف بالطلاق - سواء أريد به الطلاق، أو غير ذلك من التهديد ونحوه- يقع به الطلاق عند حصول الحنث -وهو المفتى به عندنا- خلافًا لشيخ الإسلام ابن تيمية الذي يرى أنّ حكم الحلف بالطلاق الذي لا يقصد به تعليق الطلاق، وإنما يراد به التهديد مثلا؛ تلزم به كفارة يمين، ولا يقع به طلاق.
وانظر الفتوى: 11592.
وأما كفارة اليمين: فإنه لا يجزئ فيها الصيام إلا مع العجز عن الإطعام والكسوة.
وأما مقدار الطعام المجزئ في الكفارة ونوعه: فيرجع فيه إلى أعراف الناس وعاداتهم في كل بلد.
كما رجحنا في الفتوى: 369595.
قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى: كفارة اليمين هي المذكورة في سورة المائدة؛ قال تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ {المائدة: 89}، فمتى كان واجدا فعليه أن يكفر بإحدى الثَّلَاث، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام. وإذا اختار أن يُطعم عشرة مساكين؛ فله ذلك.
ومقدار ما يُطعم مبني على أصل وهو أن إطعامهم: هل هو مُقَدَّر بالشرع؟ أو بالعرف؟ فيه قولان للعلماء.
منهم من قال: هو مقدر بالشرع، وهؤلاء على أقوال: منهم من قال: يطعم كل مسكين صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، أو نصف صاع من بُرٍّ. كقول أبي حنيفة وطائفة.
ومنهم من قال: يُطْعِم كل واحد نصف صاع من تمر وشعير، أو ربع صاع من بُر -وهو مُد- كقول أحمد وطائفة.
ومنهم من قال: بل يُجزئ في الجميع مُدٌّ من الجميع، كقول الشافعي وطائفة.
والقول الثاني: أن ذلك مُقَدَّر بالعُرْف لا بالشرع؛ فَيُطْعم أهل كل بلد من أوسط ما يطعمون أهليهم قدرا ونوعا.
وهذا معنى قول مالك، قال إسماعيل بن إسحاق: كان مالك يرى في كفارة اليمين أن المُد يجزئ بالمدينة.
قال مالك: وأما البلدان فإن لهم عيشا غير عيشنا، فأرى أن يكفروا بالوسط من عيشهم؛ لقول الله تعالى: مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ {المائدة: 89}.
وهو مذهب داود وأصحابه مطلقا.
والمنقول عن أكثر الصحابة والتابعين هذا القول. ولهذا كانوا يقولون الأوسط: خبز ولبن، خبز وسمن خبز وتمر، والأعلى خبز ولحم.
وقد بسطنا الآثار عنهم في غير هذا الموضع، وبَيَّنا أن هذا القول هو الصواب الذي يدل عليه الكتاب والسنة، والاعتبار.
وهو قياس مذهب أحمد وأصوله؛ فإن أصله أن ما لم يُقدره الشارع فإنه يرجع فيه إلى العرف، وهذا لم يقدره الشارع فيرجع فيه إلى العرف، لا سيما مع قوله تعالى: مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ {المائدة: 89}. اهـ.
وعليه فقولك : هل يمكن أن أخرجها من المخبوزات مثل الأقراص وما أشبه ذلك، أم يجب أن تكون من الأرز أو الطعام المعتاد؟ فالجواب عنه: أن تلك المخبوزات إن كانت من أوسط ما يأكله الناس عادة ببلدك؛ فيجزئك إخراجها في الكفارة، وإلا فتطعم مما هو معتاد من أي نوع من أنواع الطعام الأخرى المعتادة إن كنت تقدر على ذلك، أو كسوة عشرة مساكين، وإلا فإنك تنتقل إلى صيام ثلاثة أيام.
وانظر للفائدة الفتوى: 394696.
والله أعلم.