السؤال
لقد تفضلتم بالإجابة عن سؤال قد أخطأت فيه، إلا أني لم أفهم جواب سماحتكم، حيث ذكرتم أن الواجب على المسلم أن يجمع في عبادته لله تعالى بين ثلاثة أشياء الحب والخوف والرجاء، وكما أعلم أن الحب والرجاء واحد، كما ذكرتم أن الأعمال يجب أن لا تكون معللة بطلب الجنة والخوف من النار فقط، لأن الله مستحق للعبادة ولو لم تكن جنة ولا نار، والعبادة وأنتم أعلم هي الخوف والطمع، فكما أفهم أنه لو لم تكن جنة ولا نار عبدنا الله طلباً للدنيا وخوفاً من زوالها، وسماحتكم أعلم أن العبد لو ظن أنه قادر على إيفاء شكر الله كفر، ولو شكر الله عالماً غنى الله عنه، بل يشكره لنفسه، فما سينال بشكره إلا الخلاص من النار ودخول الجنة، وأحب شيء لأهلها هو النظر إلى وجه الله تعالى، فلو شرحتم لي وجه الخطأ عندي، ومعنى فتوى فضيلتكم رقم 46678.
جزاكم الله خير الجزاء.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالخطأ الذي أنت واقع فيه هو قولك: أعلم أن الحب والرجاء واحد.
والصحيح أن الحب عبادة، والرجاء عبادة أخرى، كما أن الخوف عبادة ثالثة، والواجب على المسلم أن يجمع بين هذه الثلاث العبادات فيعبد الله حباً وخوفاً منه، ورجاء لثوابه، كما بينا ذلك في الفتوى التي قرأتها، وفي فتوى أخرى بتفصيل أكثر وهي: 46155.
ومن أخطائك قولك: والعبادة هي الخوف والطمع فكما أفهم أن لو لم تكن جنة ولا نار عبدنا الله طلباً للدنيا وخوفاً من زوالها.
ووجه الخطأ هو أنك حصرت العبادة في الخوف والطمع، والصحيح أن الحب من أعظم العبادات قال تعالى: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه [المائدة: من الآية54]، وقال: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ [البقرة: من الآية165]، ولما كان هذا المفهوم مرسوماً في ذهنك قررت أنه لو لم توجد جنة ولا نار، فإننا نعبد الله حباً له، وتنفيذاً لأمره ولاستحقاقه ذلك علينا، ومن الخطأ البين أن يتصور المسلم أنه لا يعبد الله إلا لجلب محبوب أو لدفع مكروه، ولكن عليه أن يعبد الله تعالى لحقه عليه وشكراً له على نعمه، ومع ذلك نرجو منه الجنة، لأن دخولها بفضل الله وبرحمته لا بذلك العمل، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يدخل أحدكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه برحمة وفضل، ووضع يده على رأسه.
قال الإمام النووي رحمه الله: ومذهب أهل السنة أيضاً أن الله تعالى: لا يجب عليه شيء تعالى الله، بل العالم ملكه والدنيا والآخرة في سلطانه يفعل فيهما ما يشاء، فلو عذب المطيعين والصالحين أجمعين وأدخلهم النار كان عدلاً منه، وإذا أكرمهم ونعَّمهم وأدخلهم الجنة فهو فضل منه، ولو نعَّم الكافرين وأدخلهم الجنة كان له ذلك، ولكنه أخبر وخبره صدق أنه لا يفعل هذا بل يغفر للمؤمنين ويدخلهم الجنة برحمته، ويعذب المنافقين ويخلدهم في النار عدلاً منه.
ولذلك يطمع الإنسان في رحمة الله وجنته والنظر إليه، ويخاف ويهرب من عقابه وسخطه، وأعظمه حرمان النظر إلى وجهه الكريم.
والله أعلم.