السؤال
أنا مغتربة، وأم لثلاث بنات. وابنتي الكبيرة تعاني من إعاقة منذ الصغر، أي تعجز عن القيام بأي شيء يخصها حتى نظافتها الشخصية، وفعل أي شيء وحدها. وهي تبلغ من العمر 15 عاما و8 شهور.
لا أستطيع الاعتماد على كل المحيطين بي من العائلة حتى لو مرضت، وخاصة عندما أصبت بمرض كورونا، علمت أني وحيدة لا يمكن الاعتماد على أحد من الأقارب في رعاية ابنتي. ومنذ ذلك الوقت عندي شعور غريب أن ابنتي ستذل من بعدي، فلذلك أدعو الله أن يسترها، وأن تذهب قبلي ولو بيوم، أو في نفس اليوم. وأن يسترها، ويطمئن قلبي عليها.
السؤال: هل في دعائي هذا ارتكاب لمعصية أو حرام؟
والله يعلم كم كنت أخاف على فقدانها، والآن فهمت أن البشر قد امتلأت قلوبهم بالقسوة، أخاف عليها من ظلم البشر، وأرى أن بعض الناس يظنون أني تعبت من خدمتها؛ لهذا أدعو هكذا، ولكن يعلم الله أني أخدمها، وهي تعيش مثل الملكة، ويشهد كل جيراني ومن يعرفُني ومدرستها الخاصة لذوي الاحتياجات الخاصة كم هي نظيفة، ومحبة للحياة، ولكن أخاف أن تذل من بعدي، وتخسر هذه الحياة، وترمى كغيرها من المعوقين في غرفة وحدها منطوية عن الناس والعالم، وينطفئ النور والفرح في عينيها؛ لهذا أدعو بهذا الدعاء؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا على رعايتك لابنتك، واهتمامك بها، جعل الله ذلك في ميزان حسناتك، وجعلها قرة عين لك.
ومن الطبيعي أن تشفق الأم على ابنتها، ولكن لا يجوز أن تحملها تلك الشفقة على الدعاء عليها وتمني موتها، ولو كان الداعي لذلك البلاء الذي أصاب، أو يخشى أن يصيب.
فقد جاء الشرع بالنهي عن الدعاء على الأولاد، كما في الحديث الذي رواه مسلم عن جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم. لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء؛ فيستجيب لكم. ولا فرق في هذا بين المبتلى وغيره.
وراجعي لمزيد من الفائدة، الفتوى: 207406.
وبدلا من الدعاء عليها، أكثري من الدعاء لها بالعافية، فهو من أعظم الدعاء.
روى الترمذي عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- قال: قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام الأول على المنبر، ثم بكى، فقال: اسألوا الله العفو والعافية، فإن أحداً لم يُعْطَ بعد اليقين خيرا من العافية.
وأكثري من الدعاء لها بنحو قولك: اللهم إني أستودعك ابنتي. فقد روى أحمد في المسند عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن لقمان الحكيم كان يقول: إن الله -عز وجل- إذا استودع شيئا حفظه.
بقي أن نبين أن صلاح الأبوين وتقواهما لله -تعالى- مما يحفظ به أولادهما من السوء والمكروه، قال عز وجل: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا {النساء: 9}.
وكان محمد بن سيرين - وهو من أئمة التابعين ـ يخاطب ابنه: أي بني، إني أطيل في الصلاة رجاء أن أحفظ فيك، وتلا قوله تعالى: وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا {الكهف: 82}.
فاطمئني، وثقي بربك، واصرفي همتك إلى ما ينفعك وينفع ابنتك، واحذري القلق، فقد تضرين به نفسك، ويكون معوِّقا لك عما فيه خير دنياك وأخراك، فاستعيني بالله، ولا تعجزي.
والله أعلم.