السؤال
أقرا في بعض الأبيات الشعرية التي فيها مدح لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه، هذا الوصف لرسول الله "النبي التهامي" ووصف آخر "طه اليماني" وقرأت في أحد المواقع تفسيراً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "الإيمان أي أن الإيمان بدأ من مكة حيث إن مكة في تهامة من أرض اليمن" فما صحة وصف رسول الله بالتهامي اليمني؟ وهل مكة جغرافياً ترجع إلى أرض اليمن، أفيدونا أفادكم الله؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فتهامة بالكسر تساير البحر ومنها مكة، قال الأصمعي: إذا خلفت عمان مصعدا فقد أنجدت فلا تزال منجدا حتى تتنزل في ثنايا ذات عرق فإذا فعلت ذلك فقد أتهمت إلى البحر وإذا عرضت لك الحرار وأنت منجد فتلك الحجاز وإذا تصوبت من ثنايا العرج واستقبلك الأراك والمرخ فقد أتهمت، وإنما سمي الحجاز حجازاً لأنه حجز بين تهامة ونجد.
وقال المدائني: تهامة من اليمن... ومكة من تهامة، وتهامة من التهم وهو شدة الحر، وركود الريح يقال تهم الحر إذا اشتد، ويقال سميت بذلك لتغير هوائها، يقال تهم الدهن إذا تغير ريحه. انتهى من معجم البلدان، وعليه فيصح وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالتهامي وباليمني بهذا المعنى، وأما حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتاكم أهل اليمن هم أضعف قلوبا وأرق أفئدة الفقه يمان والحكمة يمانية.، وفي رواية: أتاكم أهل اليمن هم أضعف قلوباً وأرق أفئدة الفقه يمان، والحكمة يمانية.
وفي رواية: رأس الكفر نحو المشرق، والفخر والخيلاء في أهل الخيل والإبل الفدادين أهل الوبر، والسكينة في أهل الغنم. وفي رواية: الإيمان يمان، والكفر قبل المشرق والسكينة في أهل الغنم، والفخر والرياء في الفدادين أهل الخيل والوبر. وفي رواية: أتاكم أهل اليمن هم ألين قلوباً وأرق أفئدة، الإيمان يمان، والحكمة يمانية، ورأس الكفر قبل المشرق. وفي رواية: غلظ القلوب والجفاء في المشرق، والإيمان في أهل الحجاز.
فقد قال الإمام النووي: اختلف في مواضع هذا الحديث، وقد جمعها القاضي عياض رحمه الله، ونقحها مختصرة بعده الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله، وأنا أحكي ما ذكره قال: أما ما ذكر من نسبة الإيمان إلى أهل اليمن فقد صرفوه عن ظاهره من حيث إن مبدأ الإيمان من مكة ثم من المدينة حرسهما الله تعالى، فحكى أبو عبيد إمام الغرب ثم من بعده في ذلك أقوالاً أحدها: أنه أراد بذلك مكة فإنه يقال: إن مكة من تهامة، وتهامة من أرض اليمن، والثاني: أن المراد مكة والمدينة، فإنه يروى في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا الكلام وهو بتبوك، ومكة والمدينة حينئذ بينه وبين اليمن فأشار إلى ناحية اليمن، وهو يريد مكة والمدينة، فقال: الإيمان يمان ونسبهما إلى اليمن لكونهما حينئذ من ناحية اليمن، كما قالوا الركن اليماني وهو بمكة لكونه إلى ناحية اليمن، والثالث: ما ذهب إليه كثير من الناس وهو أحسنها عند أبي عبيد أن المراد بذلك الأنصار لأنهم يمانون في الأصل فنسب الإيمان إليهم لكونهم أنصاره، قال الشيخ أبو عمرو -رحمه الله-: ولو جمع أبو عبيد ومن سلك سبيله طرق الحديث بألفاظه كما جمعها مسلم وغيره، وتأملوها لصاروا إلى غير ما ذكروه، ولما تركوا الظاهر، ولقضوا بأن المراد اليمن، وأهل اليمن على ما هو المفهوم من إطلاق ذلك، إذ من ألفاظه أتاكم أهل اليمن والأنصار من جملة المخاطبين بذلك فهم إذن غيرهم، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: جاء أهل اليمن، وإنما جاء حينئذ غير الأنصار ثم إنه صلى الله عليه وسلم وصفهم بما يقضي بكمال إيمانهم ورتب عليه الإيمان يمان فكان ذلك إشارة للإيمان إلى من أتاه من أهل اليمن لا إلى مكة والمدينة، ولا مانع من إجراء الكلام على ظاهره وحمله على أهل اليمن حقيقة، لأن من اتصف بشيء وقوي قيامه به، وتأكد اطلاعه منه به اضطلاعه، ينسب ذلك الشيء إليه إشعاراً بتميزه به، وكمال حاله فيه، وهكذا كان حال أهل اليمن حينئذ في الإيمان، وحال الوافدين منه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي أعقاب موته كأويس القرني، وأبي مسلم الخولاني رضي الله عنهما، وشبههما ممن سلم قلبه، وقوي إيمانه فكانت نسبة الإيمان إليهم لذلك إشعاراً بكمال إيمانهم من غير أن يكون في ذلك نفي له عن غيرهم، فلا منافاة بينه وبين قوله صلى الله عليه وسلم: الإيمان في أهل الحجاز، ثم المراد بذلك الموجودون منهم حينئذ لا كل أهل اليمن في كل زمان فإن اللفظ لا يقتضيه، هذا هو الحق في ذلك، ونشكر الله تعالى على هدايتنا له.
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: ولا مانع أن يكون المراد بقوله: "الإيمان يمان" ما هو أعم مما ذكره أبو عبيد وما ذكره ابن الصلاح، وحاصله أن قوله "يمان" يشمل من ينسب إلى اليمن بالسكنى وبالقبيلة، لكن كون المراد به من ينسب بالسكنى أظهر، بل هو المشاهد في كل عصر من أحوال سكان جهة اليمن وجهة الشمال فغالب من يوجد من جهة اليمن رقاق القلوب والأبدان، وغالب من يوجد من جهة الشمال غلاظ القلوب والأبدان، وقد قسم في حديث أبي مسعود أهل الجهات الثلاث: اليمن والشام والمشرق، ولم يتعرض للمغرب في هذا الحديث، وقد ذكره في حديث آخر، فلعله كان فيه ولم يذكره الراوي إما لنسيان أو غيره.
والله أعلم.