الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا يجتمع شرعاً مسجد وقبر

السؤال

أسكن في بلدة بها مسجد واحد فقط، ولكن في ساحة المسجد يوجد قبر حيث يقع القبر خارج المصلى، لكن داخل حدود المسجد، فهو يقع في اتجاه القبلة خلف المحراب، علماً بأن المسجد قد بني قبل القبر. فما حكم الصلاة في هذا المسجد؟ وماذا نفعل تجاه هذا الأمر؟
وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فأولاً: يحرم بناء المساجد على القبور، كما يحرم دفن الميت في المسجد، لما في الصحيحين من حديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد.

ولما في صحيح مسلم من حديث جندب بن عبد الله -رضي الله عنه- أنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يموت بخمس يقول: ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك.

وفي الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- أن أم سلمة ذكرت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور، فقال: أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله.

فبناء المساجد على القبور محرم، بل هو من الكبائر عند بعض أهل العلم.

قال ابن حجر الهيتمي في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر: الكبيرة الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والتسعون: اتخاذ القبور مساجد، وإيقاد السرج عليها واتخاذها أوثاناً، والطواف بها، واستلامها، والصلاة إليها. اهـ.

ثانياً: لا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبر، فأيهما طرأ على الآخر أزيل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: اتفق الأئمة أنه لا يبنى مسجد على قبر، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك، وأنه لا يجوز دفن ميت في مسجد، فإن كان المسجد قبل الدفن غيّر إما بتسوية القبر، وإما بنبشه إن كان جديداً، وإن كان المسجد بني بعد القبر، فإما أن يزال المسجد، وإما تزال صورة القبر، فالمسجد الذي على القبر لا يصلى فيه فرض ولا نفل، فإنه منهي عنه. اهـ.

ثالثاً: فإن لم يمكنكم فعل شيء مما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في الفقرة السابقة، أو أمكنكم واحتاج إلى وقت جاز لكم الصلاة في المسجد المذكور بشرط ألا يكون هناك صورة من صور الشرك يمارسها الناس عند القبر، -كالطواف به، أو النذر له، أو دعاء الميت والاستغاثة به- فإن وجد شيء من ذلك لم تجز الصلاة في ذلك المكان، لقوله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً [النساء:140]، فلا يجوز القعود في مكان المنكر، لأن القاعد باختياره دون إنكار حكمه حكم المقارف للذنب، وحينئذ تصلون في أي مكان من أرض الله الواسعة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني