السؤال
اطلعت على قولين يفيدان بتحديد وقت الظهر، ولا أدري أيهما القول الصحيح؟
والآن وقعت في شبهة، حيث تركت صلاة الظهر جماعة بسبب هذا؛ لأن جماعة المسجد تقام بعد مرور 6 دقائق من انتصاف الشمس في كبد السماء. فأي القولين هو الصحيح؟
وهل قدر الشراك في حديث جبريل، عندما علم النبي صلى الله عليه، وعلى آله، وسلم، أوقات الصلاة، هو للتحديد أم للتقدير؟
القول الأول: أن دخول وقت الظهر يبدأ حين تعبر حافة قرص الشمس الشرقية، خط منتصف النهار. بمعنى أن يخرج جميع قرص الشمس عن خط وسط السماء (كبد السماء).
ويمكن احتساب هذا بأن يزاد ما يقرب من دقيقتين أو 3 دقائق، على أقصى تقدير، بعد وقت صلاة الظهر، حسب تقويم رابطة العالم الإسلامي.
القول الثاني: أن دخول وقت الظهر يبدأ حين يصير ظل الإنسان بقدر شِراك نعله.
ويحتسب هذا بزيادة أربع درجات بعد الزوال الفلكي، والدرجة تقدَّر بأربع أو خمس دقائق، بحسب وقت الشتاء، والصيف. وهذا يعني زيادة 15 دقيقة أو 20 دقيقة بعد وقت صلاة الظهر، حسب تقويم رابطة العالم الإسلامي.
وهذا القول وجدته في بحث أكاديمي بعنوان: "تحديد الزوال الشرعي، وأول وقت الظهر" تقدم به الباحثان: علي عزوز، وسفيان سنيان.
وورد في هذا البحث أيضا: أن هناك من قال إن قدر الشراك ليس تحديدا، وإن ذلك كان اتفاقا.
فهذا خلافٌ صريحٌ للفظ الحديث، حيث إنه صلى الله عليه وسلم قال فيه: أَمَّني جبريل عند البيت مرتين، فصلى الظهر في الأولى منهما حين كان الفيء مثل الشراك، ثم صلى العصر حين كان كل شيء مثل ظله.... وذكر المواقيت جميعا، ثم قال في آخره: يا محمد، هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت فيما بين هذين الوقتين.
فالحديث صريح في أن وقت ميلان الشمس عن كبد السماء، بقدر ما يكون الفيء شراكا، أنه هو حد أول وقت الظهر، فما قبله ليس وقتا للظهر.
وإذا رُد هذا التحديد الصريح في الحديث بالظن، فللقائل أن يرد جميع ما ذُكر في الحديث من الحدود بالظن أيضا، فيقول عن أول وقت العصر مثلا، عندما يصير ظل الشيء مثله، إن ذلك ليس تحديدا، وإنما وقع اتفاقا، ووقت العصر يكون قبل ذلك أو بعده، لتقديرات يراها.
وعلى هؤلاء الذين لم يعتبروا قدر الشراك في حديث جبريل، حدَّا لدخول وقت الظهر، عليهم أن يأتوا بالحد الذي يرونه صحيحا، فلا يجوز أن يُترك الأمر بغير حد، وهذه عبادة لا بد من معرفة حدودها، كغيرها من العبادات؟!
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكلامك الذي ذكرته كلام غير صحيح، وذلك أن العلماء أجمعوا على أن وقت الظهر يدخل بزوال الشمس عن كبد السماء، ولا يشترط شيء زائد على ذلك.
فوقت استواء الشمس في كبد السماء، وقت نهي، فإذا تحركت الشمس جهة المغرب، فقد دخل وقت الظهر إجماعا، ولا يشترط بلوغ حد الشراك ولا غيره، ولم يقل بذلك القول أحد -علمناه- من أهل العلم.
قال ابن قدامة في المغني: وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الظُّهْرِ: إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ. قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَخْبَارُ بِذَلِكَ.
ثم ذكر حديث ابن عباس الذي ذكرت لفظه، وذكر حديث بريدة، وفيه: فلما زالت الشمس، أمر بلالا فأذن. فلم يعتبر غير زوال الشمس.
وقال النووي في المجموع: أَمَّا أَحْكَامُ الْمَسْأَلَةِ: فَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الظُّهْرِ زَوَالُ الشَّمْسِ، نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ خَلَائِقُ. وَدَلِيلُهُ الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ. اهـ.
وأما الحديث المذكور، وهو صلاته صلى الله عليه وسلم عندما صار الفيء مثل الشراك، فقال النووي فيه: وَلَيْسَ الشِّرَاكُ هُنَا لِلتَّحْدِيدِ وَالِاشْتِرَاطِ، بَلْ؛ لِأَنَّ الزَّوَالَ لَا يَبِينُ بِأَقَلَّ مِنْهُ. اهـ.
وفي عون المعبود، قال شمس الحق، ما عبارته عند شرح هذا الحديث: قال بن الْأَثِيرِ: الشِّرَاكُ أَحَدُ سُيُورِ النَّعْلِ الَّتِي تَكُونُ عَلَى وَجْهِهَا، وقدره ها هنا لَيْسَ عَلَى مَعْنَى التَّحْدِيدِ، وَلَكِنْ زَوَالُ الشَّمْسِ لَا يَبِينُ إِلَّا بِأَقَلِّ مَا يُرَى مِنَ الظِّلِّ، وَكَانَ حِينَئِذٍ بِمَكَّةَ هَذَا الْقَدْرُ. وَالظِّلُّ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ، وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ فِي مِثْلِ مَكَّةَ مِنَ الْبِلَادِ الَّتِي يَقِلُّ فِيهَا الظِّلُّ. فَإِذَا كَانَ أَطْوَلُ النَّهَارِ وَاسْتَوَتِ الشَّمْسُ فَوْقَ الْكَعْبَةِ، لَمْ يُرَ بِشَيْءٍ مِنْ جَوَانِبِهَا ظِلٌّ. فَكُلُّ بَلَدٍ يَكُونُ أَقْرَبُ إِلَى خَطِّ الِاسْتِوَاءِ، وَمُعَدَّلُ النَّهَارِ، يَكُونُ الظِّلُّ فِيهِ أَقْصَرَ. وَكُلَّمَا بَعُدَ عَنْهُمَا إِلَى جِهَةِ الشِّمَالِ يَكُونُ الظِّلُّ أَطْوَلَ. انْتَهَى. وَالْمُرَادُ مِنْهُ: وَقْتُ الظُّهْرِ حِينَ يَأْخُذُ الظِّلُّ فِي الزِّيَادَةِ بَعْدَ الزَّوَالِ. انتهى.
ومن العلماء من حمل هذا الحديث على الفراغ منها؛ لأن القرآن صريح في أن وقت الظهر يدخل بزوال الشمس.
قال البدر العيني في شرح الهداية، ما عبارته: فإن قلت: جاء عنه -عَلَيْهِ السَّلَامُ- قال: «أمني جبريل -عَلَيْهِ السَّلَامُ- عند البيت مرتين، فصلى الظهر في المرة الأولى حين كان الفيء مثل الشراك».
قلت: هذا محمول على الفراغ منها، والأحاديث المذكورة محمولة على الشروع فيها، توفيقا بين الأحاديث، ويدل عليه قَوْله تَعَالَى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78]: أي لزوالها. وهو قول ابن عمر وابن عباس وأنس وعائشة والحسن البصري.
وقال النووي: المراد به أنه حين زالت الشمس، كان الفيء حينئذ مثل الشراك من ورائه، لا أنه أخر إلى أن صار مثل الشراك، وهو أحد سيور النعل. انتهى.
فبان بهذا بطلان القول الذي ذكرته، وأنه مخالف للنص والإجماع.
والله أعلم.