السؤال
ما الخطأ في قول الشاعر:
أبلغ عزيزًا في ثنايا القلب منزله
أني وإن كنت لا ألقاه ألقاه
وإن طرفي موصول برؤيته
وإن تباعد عن سكناي سكناه
يا ليته يعلم أني لست أذكره
وكيف أذكره إذ لست أنساه
يا من توهم أني لست أذكره
والله يعلم أني لست أنساه
إن غاب عني فالروح مسكنه
من يسكن الروح كيف القلب ينساه؟
ولو قالها أحد ليبين عظيم محبته وصلته بالله فهل ذلك جائز أم لا، مع بيان العلة؟ جزاكم الله خيرًا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الشعر من أسلوبه بل من محسناته في بعض الصور المبالغة في المعاني، والتوسّع في العبارات، فلا تحسن محاكمته بالتدقيق الحرفي لكلماته، إلا ما كان ظاهرًا بينًا أن المراد به معنى مخالف للشرع. ولا يظهر محذور شرعي في هذه الأبيات إذا قيلت في حق مخلوق.
وأما قولك: (لو قالها أحد ليبين عظيم محبته وصلته بالله فهل ذلك جائز أم لا، مع بيان العلة؟): فلا تصلح في جانب الله تعالى؛ لأن معاني هذه الأبيات لا تليق في حق الله جل جلاله، (يا ليته يعلم ... يا من توهم ... إن غاب عني، فالروح مسكنه) إلى غير ذلك.
نعم؛ هناك أبيات يمدح بها المخلوق مخلوقًا مثله، ومع ذلك يصح أن تقال في حق الله سبحانه، ويسوغ أن يناجي بها المؤمن ربه، فمن ذلك ما جاء في البداية والنهاية لابن كثير:
يا من ألوذ به فيما أؤمله ومن أعوذ به مما أحاذره
لا يجبر الناس عظمًا أنت كاسره ولا يهيضون عظمًا أنت جابره
وقد بلغني عن شيخنا العلامة أبي العباس أحمد بن تيمية - رحمه الله - أنه كان ينكر على المتنبي هذه المبالغة، ويقول: إنما يصلح هذا لجناب الله عز وجل. وأخبرني العلامة شمس الدين بن القيم -رحمه الله- أنه سمع الشيخ يقول: ربما قلت هذين البيتين في السجود. اهـ.
وفي مدارج السالكين لابن القيم: ومعلوم: أنه لا صلاح للنفس إلا بإيثار رضا ربها ومولاها على غيره، ولقد أحسن أبو فراس في هذا المعنى -إلا أنه أساء كل الإساءة في قوله؛ إذ يقوله لمخلوق لا يملك له ولا لنفسه نفعًا ولا ضرًّا:
فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب. اهـ.
وراجع للفائدة الفتويين: 171139، 171139.
والله أعلم.